تتغير ملامح الأيام، وتتبدل الظروف، لكن يبقى فى مسيرة العمل الإنسانى ما لا يزول، وهو أثرٌ صادق، يتجاوز حدود الكلمات، ويظل حاضرًا فى الذاكرة مهما مر الوقت، ففى كل قصة تصل، وكل استغاثة تطرق أبواب «الجمهورية معاك»، ندرك أن وراء السطور إنسانًا يبحث عن نافذة نور، يرجو أن يجد من يستمع إليه بإخلاص.
اعتادت «الجمهورية معاك» أن تستقبل يوميًّا عشرات الرسائل من مواطنين بسطاء، ومتخصصين، وعمال، وموظفين، وأمهات يبحثن عن علاج لأطفالهن، وشباب يطمحون لفرصة، ولكلٍّ منهم قصة أكبر من أن تُحكي، بعضهم يحتاج إلى علاج، وآخرون يطلبون حقًّا تأخر، أو باب رزق أُغلق، وعلى مدار هذه السنوات، كان هدفنا الأول أن يشعر كل مواطن بأن هناك من ينصت إليه بجدية، ويأخذ بيده حتى يصل إلى حقه.
ومع كل استجابة ننجح فى تحقيقها، يأتى شعور مختلف يرسّخ معنى العمل الإنسانى الحقيقي، لنصبح وسيطًا بين القلوب أكثر من الأوراق.
ومن بين عشرات القصص التى مرت بنا، كانت هناك لحظات تركت أثرًا لا يُمحى، فمنذ أيام قليلة، وصلنا تسجيل فيديو قصير من الأستاذ هاني، أحد المواطنين، لم تكن رسالته فى البداية طلبًا للمساعدة، وإنما كانت امتنانًا خالصًا من أمام الكعبة المشرفة، وبين أصوات المعتمرين التى تعلو بالتلبية، وقف يدعو لنا بصوت من القلب قائلاً إن دعاءه جاء من القلب تقديرًا لوقوف الجريدة مع الحالات الإنسانية فى أشد لحظاتها قسوة، كانت رسالته تؤكد أن الأثر الحقيقى هو ما يترك من دفء فى نفوس أصحابه.
ولم يكن الأستاذ هانى وحده، فقد تتوالى علينا رسائل أخري، من أسر وجدَت علاجًا، ومن طلاب عادوا لمقاعد الدراسة بعد تعثر قاسٍ، ومن مواطنين استعادوا حقوقًا ضاعت سنوات طويلة، وكل رسالة تحمل عبارة واحدة يتفق عليها الجميع، «جزاكم الله خيرًا لقد شعرنا أن هناك من يسمعنا.»
فمنذ صدور العدد الأول لجريدة الجمهورية قبل اثنين وسبعين عامًا وحتى عيد ميلادها من ديسمبر الحالي، لم تغلق الجريدة أبوابها يومًا فى وجه مواطن يبحث عن نافذة يعبر منها إلى المسئول، فقد بقيت «الجمهورية» ومازالت صحيفة الوطن والمواطن، صحيفة الباب المفتوح، التى تعتبر أن رسالتها تكتمل حين تُنصت لشكوى البسيط، وتتبنى قضيته بالعدل والشفافية.
وعلى مدى عقود، كانت صفحاتها حلقة وصل بين الحق وأهله، وبين المواطن والدولة، ومع كل جيل صحفى مرّ على الجريدة، بقيت خدمة الناس هى الأهم، والجوهر المتمسكه به.
بينما تحتفل «الجمهورية» بعيدها الثانى والسبعين، تزداد إصرارًا على أن تظل صوتًا لكل مواطن، وبيتًا مفتوحًا لكل من يحتاج الى يد تمتد إليه.
فأثبتت الشكاوى التى ترد إلينا يوميًا أن المواطن يدرك أن هناك جهة إعلامية تحترم صوته، وتعمل لمصلحته، وتدافع عن حقوقه حتى آخر خطوة، كما أثبتت اللحظات المضيئة – كدعاء الأستاذ هانى من أمام الكعبة المشرفة – أن الأثر الذى نتركه فى نفوس الناس أكبر من أى تكريم.
فنحن لسنا سوى قلم ينقل صوت الناس، ويسعى بينهم بالخير، لكن الأثر الحقيقى يبقى معهم، فى دعوة صادقة، فى دمعة ارتياح، فى ابتسامة طفل وجد العلاج، فى شاب عاد إلى حلمه، وفى أسرة استعادت قوتها بعد عسر.. ويبقى الأثر ما بقى الخير فى القلوب، وما بقيت الجمهورية فاتحة أبوابها للناس.









