الدراما كلمة جامعة مانعة، بمقدورها أن تبنى أممًا، وبمقدورها أيضًا أن تهدم أممًا. نعم، وبخاصة الدراما فى عالمنا الآن. والدراما فى تعريفها القديم هى محاكاة للواقع، وأقول وأزيد إنها لسان حال الواقع قولًا وفعلًا ووصفًا وطرحًا. وهى لا تنقل الواقع كما هو، وإنما ما يجب أن يكون عليه هذا الواقع، أى تقدمه بتصرّف يهدف إلى التهذيب والإصلاح، لا التحريض.
والدراما فى أهم ما تقدمه من رسالة، هى أن تكون رسالة تنويرية. وحتى لا نطيل فى المقدمة، أتمحور هنا حول الدراما المصرية، سواء فى المسرح أو التلفزيون أو السينما أو حتى فى الإذاعة.
أما الإشكالية الأكبر، فهى تتمحور حول الدراما التلفزيونية، من مسلسلات درامية باتت موضوعياً بعيدة تمامًا عن الواقع ومشكلاته وقضاياه. فالمجتمع ليس فقط مجتمع سرقات ومخدرات وانحرافات أخلاقية، وليس -فيلل وقصور-. وهنا أدرك الرئيس ولمس المشكلة الحقيقية التى أثبتت إخفاق الدراما وتخليها عن دورها التنويرى المحفز على العمل والعلاقات السوية بين الناس.
وكما يؤكد الدين الحنيف أن -الدين المعاملة- والمعاملة الحسنة، فإن الدراما كذلك يجب أن تكون تنويرية وتطهيرية ودافعة إلى خلق أجيال تتمتع بروح الحب والانتماء للوطن والعمل على بنائه وتطويره. فالدراما ذات جوانب تثقيفية وتعليمية، وهى الأكثر وصولًا وتأثيرًا فى الجمهور، وهو الهدف الأول والأخير.
وكم من الأعمال الدرامية، وخاصة المسلسلات، حرّضت على العنف والجريمة، ورسّخت لانتشار وتعاطى المخدرات بكل أنواعها؛ شما وحقنًا وغيرها.. بينما الدراما فى جوهرها تقويمية، وتقوم – إذا جاز التعبير – بدور المعالج والكاشف لمواضع المرض لتعالجه دراميًا، على عكس ما نراه الآن، ودون ذكر أسماء من -شِلَل- الممثلين والمخرجين وصنّاع دراما الفجور والانحرافات الأخلاقية والمخدرات، والحوارات واللهجات واللغة الخارجة التى لا تليق بالدراما المصرية.
والسؤال بهذه الإشكاليات.. هل سيُعاد النظر لدى صنّاع المسلسلات التلفزيونية فيما يقدمونه؟ المجتمع ليس ملايين فقط، وليس -فيللاً وقصورًا- المجتمع فيهم من البسطاء، وفيهم المتعلم والموظف والمهندس والصحفى والطبيب والعامل والبناء والمدرس والصانع.. وليس كل المجتمع من الأثرياء والمليارديرات.
طبقات المجتمع متعددة، وكذلك البيئات: حضرية وريفية وساحلية.. الدراما المصرية ليست للأثرياء فقط، بل لكل المجتمع المصري، الذى يواجه تحديات كبيرة وخطيرة لها دوافع ومحركات داخلية وخارجية، والدراما أحد الأسلحة المهمة فى المواجهة.
وهنا أرى حتمية تفعيل دور الرقابة لحماية المجتمع وسمعة الدراما المصرية من الانحرافات الدرامية والحوارات المبتذلة والبذيئة. وينبغى أن تُعبّر الدراما – والمسلسلات بخاصة – عن الطبيعة الحقيقية للمجتمع المصرى ذى الحضارة العريقة والوجود الثقافى والريادي، وأن نعود ونرتقى بالدراما المصرية بالغوص فى المحلية ومحاكاة روح هذا الوطن مجتمعيًا وثقافيًا، من منظور الداخل والخارج، وأن تكون كما يجب للدراما المصرية التى قادت العالم الدرامى العربى فى أزمنة غابرة وعابرة، دون أن تنسى وظيفتها التثقيفية والتعليمية والتنويرية.
ربما… نتمني؟!









