أعلنت أستراليا مؤخرًا بدء تطبيق سياسة جديدة تمنع المراهقين دون سن 16عامًا من الوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي، في خطوة وُصفت بأنها الأكثر جرأة لحماية النشء من التأثيرات السلبية للعالم الرقمي.
وبقدر ما أثار القرار جدلًا واسعًا في الغرب، فإنه يفتح أمامنا في مصر نقاشًا لا يقل أهمية: هل نحن بحاجة إلى مقاربة مشابهة؟ وما الفائدة التي يمكن أن نجنيها من الاقتداء بهذه التجربة؟
خلال السنوات الأخيرة تغيّر نمط حياة المراهق في مصر كما في العالم كله. بات الهاتف الذكي جزءًا لا ينفصل عن يومه، وصارت منصات التواصل مصدرًا رئيسيًا للتسلية والمعلومات والعلاقات. ورغم المزايا التعليمية والترفيهية، فإن الوجه الآخر يتكشف في ازدياد حالات العزلة، والتنمر الإلكتروني، واضطرابات الصورة الذاتية، والتشتت، وصولًا إلى تأثر الصحة النفسية بشكل مباشر.
إن التجربة الأسترالية لم تأتِ من فراغ، بل من دراسات متراكمة تربط بين ارتفاع نسب الاكتئاب والقلق ومحاولات إيذاء النفس وبين الاستخدام المفرط لوسائل التواصل، خصوصًا في سن حرجة لم تتبلور فيها بعد شخصية المراهق. وهذه الظواهر لا تختلف كثيرًا عن واقعنا.
فمن أبرز شكاوى المعلمين وأولياء الأمور اليوم أن الهواتف أضعفت الانتباه والقدرة على التركيز. وقد يؤدي ضبط استخدام المنصات في سن مبكرة إلى استعادة جزء من الانضباط الدراسي المفقود.
المراهقون الفئة الأكثر عرضة للابتزاز، والتجنيد الإلكتروني، والاستدراج. سياسات التحقق من العمر ومنع التسجيل قبل سن معينة- كما تقترح أستراليا- يمكن أن تغلق بابًا واسعًا من المخاطر.
لا يمكن نسخ التجربة الأسترالية حرفيًا؛ فلكل مجتمع ظروفه وتركيبته. لكن التوجه العام- حماية المراهقين لا منعهم- هو ما يستحق الدراسة. ويمكن أن تقدم مصر تجربة خاصة بها تشمل:
- إنشاء آلية وطنية للتحقق من العمر مرتبطة بخدمات الدولة الرقمية.
- تحديد استخدام تدريجي لمنصات التواصل يبدأ من 16 عامًا بضوابط ومعايير.
- برامج توعية أسرية ومدرسية حول مخاطر العالم الرقمي.
- فرض مسؤولية قانونية على الشركات العالمية لتوفير بيئة آمنة في النسخة المخصصة لمصر.
إن مصر، بما تمتلكه من قاعدة شبابية واسعة، تستطيع أن تصنع نموذجها الخاص. وربما يكون الوقت مناسبًا لفتح حوار وطني جاد حول مستقبل العلاقة بين أطفالنا وبين منصات التواصل الاجتماعي، ليس بهدف المنع المطلق، بل بهدف بناء جيل قوي… قبل أن يصبح متصلًا دائمًا.









