شهدت المكتبات العربية مؤخرًا إصدارًا أكاديميًا متميزًا بعنوان: “اللغة الخفية في الإعلام وأدوات التمويه اللفظي: (بين التنظير والتمثيل)”.
صدر الكتاب حديثًا عن مكتبة الآداب بالقاهرة، وهو ثمرة تعاون علمي مصري-إماراتي مشترك، حيث اشترك في تأليفه كل من:
- الدكتور محمد أحمد عبد الرحمن: رئيس جامعة الوصل بدبي.
- الدكتور جودة مبروك محمد: العميد السابق لكلية الآداب بجامعة بني سويف.
الفرضية الجوهرية للكتاب
يشير المؤلفان إلى أن الكتاب ينطلق من فرضية أساسية مفادها أن الإعلام لا يكتفي بنقل المعلومة، بل يعيد تشكيلها عبر لغة خفية وأدوات خطابية تتجاوز ظاهر الكلمات إلى معانٍ مضمَرة، وهذه المعاني قادرة على التأثير في المتلقي دون أن يشعر.
ويؤكد المؤلفان أن هذه اللغة ليست بريئة أو محايدة؛ فهي تصنع الواقع وترسم حدوده، وقد تكون قادرة على توجيه الرأي العام وصياغة الوعي الجمعي.
الإطار النظري والمنهجي
يناقش الكتاب الأسس المعرفية التي يقوم عليها الخطاب الإعلامي، مستندًا إلى علوم اللغة، والبلاغة، والدراسات السيميائية (علم العلامات).
ويوضح أن الكلمات في السياق الإعلامي ليست مجرد أدوات وصفية، بل هي آليات سلطة فاعلة تُستخدم لإعادة إنتاج الهيمنة أو التمويه.
كما يتناول الكتاب العلاقة المعقدة بين اللغة والإقناع، وكذلك الرابط بين الخطاب الإعلامي والأيديولوجيا.
محاور الكتاب الأساسية (فصول التنظير)
جاء الكتاب في خمسة فصول، حيث يُركز أولها على الأدوات الخفية للتمويه اللفظي. يكشف المؤلفان في هذا الفصل عن آليات التمويه اللفظي عبر أمثلة واقعية ونصوص إعلامية، وتشمل هذه الآليات ما يلي:
- التسميات المُضلِّلة: استخدام الألفاظ ذات الحمولة الإيجابية أو المحايدة لتلطيف وقائع سلبية أو فادحة (مثل: استخدام عبارة “خسائر محدودة” بدلاً من “كارثة”).
- الاستعارات والإيحاءات: تمرير الرسائل المبطنة من خلال صور بلاغية تجعل الكلمات تحمل دلالات أعمق مما يبدو في ظاهرها.
- الإقصاء أو التغييب: حيث يُعتبر ما يتم تجاهله أو عدم ذكره أحيانًا أهم مما يُقال.
- التكرار: إعادة الفكرة أو المفردة بشكل متواصل لضمان ترسيخها في ذهن المتلقي.
- التوازن الزائف: إظهار موقفين غير متكافئين وكأنهما متساويان بهدف إرباك المتلقي أو إضفاء شرعية زائفة.
الجانب التطبيقي (التمثيل ودراسات الحالة)
في الجزء التطبيقي، يقدم الكتاب مجموعة من دراسات الحالة التي تُحلل خطابات إعلامية مأخوذة من قنوات وصحف عربية ودولية.
يربط التحليل بين البنية اللغوية للرسالة والبعد النفسي للمتلقي، موضحًا كيف يمكن لكلمة أو صياغة معينة أن تثير شعورًا بالخوف، أو الثقة، أو اللامبالاة.
كما يسلط الضوء على كيفية استخدام الإعلام في إدارة الأزمات وصناعة الصور النمطية، سواء كانت لـ “العدو” أو “البطل”.
القيمة الأكاديمية والمميزات
يتميز هذا العمل بمزجه الناجح بين التنظير العلمي الصارم والتطبيق العملي، مما يجعله مرجعًا قيّمًا للباحثين في مجالات الإعلام، واللغة، والعلوم السياسية. كما يعكس الكتاب رؤية نقدية تهدف إلى فضح الوجه الآخر للإعلام بعيدًا عن ادعاء الحياد.
من أبرز ما يميز الكتاب:
- الموازنة الموفقة بين الصرامة الأكاديمية وسهولة العرض والفهم.
- تقديم أدوات تحليلية عملية يمكن للقارئ أو الباحث استخدامها لتفكيك أي خطاب إعلامي معاصر.
- تحفيز القارئ على التفكير النقدي النشط بدلاً من الاستهلاك السلبي للرسائل الإعلامية.










