أكد محمد مجيد، المدير التنفيذي للمجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة، أن الاقتصاد الدائري أصبح اليوم ركيزة أساسية للصناعة العالمية، ولم يعد مجرد توجه بيئي أو خيارًا ثانويًا، بل تحول إلى ضرورة اقتصادية قادرة على إطلاق طاقات صناعة البلاستيك، وخلق فرص استثمارية جديدة، وزيادة القيمة المضافة للمنتجات ورفع القدرة التنافسية للصادرات.
جاء ذلك خلال مشاركته في ندوة «نحو اقتصاد دائري في سلاسل القيمة للبلاستيك»، التي عُقدت اليوم على هامش فعاليات الدورة السادسة من معرض «باك بروسيس»، حيث أوضح أن التغير المستمر في متطلبات الأسواق الدولية يفرض على الصناعة المصرية تبني نموذج الاقتصاد الدائري كمسار رئيسي للإنتاج، مشيرًا إلى أن النموذج التقليدي القائم على “الإنتاج ثم الاستهلاك ثم التخلص” لم يعد صالحًا، لما يسببه من إهدار اقتصادي وتحديات بيئية متزايدة.
وأوضح مجيد أن الاقتصاد الدائري يعتمد على خمس مراحل رئيسية هي: التصميم، الإنتاج، الاستهلاك، إعادة التدوير، وإعادة التصنيع لإنتاج منتج جديد، لافتًا إلى أن مرحلة التصميم وحدها تمثل نحو 80% من حجم النفايات الناتجة في النماذج التقليدية، ما يجعل تطوير المنتج منذ البداية العامل الأكثر تأثيرًا في تحقيق الاستدامة الصناعية.
وأشار إلى أن المخلفات التي يتم التخلص منها حاليًا تمثل في حقيقتها ثروة اقتصادية يمكن تحويلها إلى خامات صناعية استراتيجية، وهو ما يتطلب تغييرًا جذريًا في الفكر الصناعي والاتجاه نحو نموذج أكثر كفاءة وقدرة على توليد فرص عمل واستثمارات جديدة.
واستعرض المدير التنفيذي للمجلس التصديري عددًا من التجارب الدولية الرائدة، موضحًا أن هولندا نجحت في رفع صادراتها من البلاستيك المعاد تدويره إلى مليار يورو بمعدل نمو 42%، بينما بلغت صادرات ألمانيا نحو 1.9 مليار يورو، في حين تقدمت شركات عالمية كبرى مثل BASF وDSM في استخدام تقنيات إعادة التدوير الكيميائي لإعادة البلاستيك إلى مواده الأولية، كما حققت اليابان نتائج متميزة في إعادة تدوير البلاستيك لإنتاج مواد عالية القيمة مثل ألياف الكربون.
وعلى الصعيد العربي، أشار إلى أن الإمارات رفعت صادراتها من البلاستيك المعاد تدويره بنسبة 22% خلال سنوات قليلة، مؤكدًا أن مصر تمتلك فرصة ذهبية لقيادة هذا القطاع بفضل قاعدتها الصناعية القوية، وتوافر الخبرات الفنية، والمخزون الكبير من المواد القابلة لإعادة التدوير.
وكشف مجيد عن تحقيق مصر نموًا ملحوظًا في صادرات الـPET المعاد تدويره، حيث ارتفعت من 165 مليون دولار عام 2019 إلى 275 مليون دولار عام 2022، بنسبة نمو بلغت 66%، مشيرًا إلى أن عددًا من الشركات المصرية أصبح موردًا رئيسيًا للأسواق الأوروبية ويدخل بالفعل في سلاسل توريد محلية ودولية.
وأكد أن حجم الفرص المتاحة لا يزال أكبر بكثير، حال تبني سياسات واضحة وداعمة للاقتصاد الدائري، وتشجيع الاستثمار في تقنيات إعادة التدوير المتقدمة وتصنيع منتجات ذات قيمة مضافة مرتفعة.
ودعا مجيد إلى تبني رؤية وطنية متكاملة لدعم الاقتصاد الدائري في قطاع البلاستيك، موضحًا أن إعادة تدوير 30% فقط من المخلفات البلاستيكية في مصر كفيلة بإحداث نقلة نوعية في خريطة الصناعة وزيادة الصادرات بشكل ملموس.
وأضاف أن التحول الأخضر أو الاقتصاد الأخضر يمثل اتجاهًا عالميًا حاليًا وهدفًا استراتيجيًا للدولة على مختلف المستويات، مؤكدًا أن هذا التوجه لا يقتصر على متطلبات الاتحاد الأوروبي، بل أصبح مطلبًا عالميًا شاملًا.
وأوضح أن هذا التحول يبدأ من التشريعات والمواصفات القياسية التي تحدد آليات تصميم منتجات قابلة لإعادة التدوير، مع التركيز على تقليل الاستهلاك، خاصة استهلاك الطاقة والبصمة المائية بمختلف أنواعها، سواء الزرقاء أو البيضاء أو الرمادية.
وأشار مجيد إلى أن مفهوم الاقتصاد الدائري يفضل تسميته «سلسلة القيمة المضافة»، مؤكدًا أنها لا تبدأ من مرحلة الإنتاج، بل من المورد نفسه، بما يضمن تحقيق المسؤولية المجتمعية للمنتج واستدامته.
واختتم تصريحاته بالإشارة إلى أن العديد من الدول اتخذت إجراءات صارمة في هذا الملف، مستشهدًا بتجارب مثل كينيا والهند اللتين حظرتا استخدام الشكائر والأكياس البلاستيكية، لافتًا إلى أن الدول التي لا تمتلك صناعات متقدمة أصبحت مطالبة بشكل غير مباشر بتطبيق هذه المتطلبات عند التعامل مع تكتلات اقتصادية كبرى مثل الاتحاد الأوروبي.








