بأمر من الخديو عباس حلمى الثاني، أُنشئت مدرسة حديثة استجابة لتطلعات المصريين فى نهضة تحقق طموحاتهم، ولتعرف مصر أول مدارسها الكبيرة عام 1908، وهى المدرسة السعيدية، بعدد طلاب صغير هو 35 طالبًا أصبحوا 135 بعد عام، «الآن اصبح العدد 4000 طالبِ» لتصبح المدرسة نفسها من ملاحم زماننا كما نرى فى الفيلم الجديد «مدرسة السعيدية «الذى عرض على القناة الوثائقية المصرية فى بداية سلسلة أفلام وثائقية جديدة عن المدارس المصرية وتاريخها، وحيث أنتجت القناة هذا الفيلم وفيلماً ثانياً عن مدرسة «سان مارك «الشهيرة بالإسكندرية من خلال اهتمام كبير بتاريخ مصر من كل زواياه وهو ما تقوم به القناة بإخلاص شديد لهذا التاريخ الكبير والشديد التنوع، ولعل أفلامها عن الحضارة المصرية القديمة وعن الفن المصري، وعن نجوم مصر مثل أم كلثوم وعادل إمام وأسامة أنور عكاشة وعاطف الطيب وغيرهم وآخرهم فاتن حمامة نموذج مهم لأهمية وضرورة هذا التوثيق لكل ما تتمتع به مصر من ثروات وإبداعات عبر تاريخها الطويل، ومن هنا تأتى أهمية هذه السلسلة الجديدة عن بدايات النهضة فى التعليم من خلال سلاسل من المدارس المختلفة فى أمور كثيرة أولها اللغة «أنشئت المدارس الاولى فى زمن الاحتلال الإنجليزى « وبالطبع المناهج وقواعد أخرى وهو ما تقدمه هذه السلسلة التى قام بكتابتها سيد خميس، وقامت نور الهدى زكى بالبحث فى الأرشيف، وأخرجتها أسماء إبراهيم، وساهم فيها مبدعون آخرون فى المحتوى والمونتاج والتصوير وغيرها من العناصر الفنية بقيادة شريف سعيد رئيس القناة.
سعد زغلول والثورة لأجل اللغة
فى تاريخ المدرسة السعيدية مواقف لا تنسي، من بينها شدة تعامل الإدارة الإنجليزية والمدير «شارمين» مع اللغة، فبعد الاتفاق على تقاسم اللغتين العربية والإنجليزية العملية التعليمية، تراجعت العربية واصبحت الإنجليزية اللغة الوحيدة، وأيضاً ألغيت مادة دراسة تاريخ مصر وهو ما علم به الزعيم سعد زغلول، ورفضه، وتشكلت مجموعة من مثقفى مصر لتعديل العملية التعليمية من خلال المناهج، والمدارس، ولتبدأ المدارس المصرية القليلة وقتها «مدرسة السنية للبنات، والخديوية بجانب السعيدية «فى التفاعل مع هذه المطالب بلا اتفاق، وبعدها يشارك طلاب وطالبات هذه المدارس فى مظاهرات المصريين بعد القبض على سعد زغلول. ونفيه خارج مصر، ويستشهد الطالب «مصطفى ماهر « من السعيدية كأول شهداء المدرسة، بينما يقوم الناظر الإنجليزى «شارمين « بفصل طالب آخر هو «إمام واكد « لإصراره على وداع جثمان الزعيم مصطفى كامل إلى مقره الأخير، وبعدها يقوم الطلبة بانتفاضة لإلغاء دستور 1923، وبعد ثورة يوليو 1952 ينتظم أبناء السعيدية فى دعم كل الاحداث الوطنية من خلال الانضمام لقوات الدفاع الشعبى وقت العدوان الثلاثى عام 1956، وحرب الاستنزاف «وحرب اكتوبر المجيدة التى صدر قرار بعدها بتحويل السعيدية إلى مدرسة عسكرية « ومن خلال الفيلم وجولاته فى مواقع المدرسة وفضائها نكتشف الكثير من عناصر الجاذبية المعبرة عن تنوع الأنشطة وقدرات التدريس والفخر من بعض الخريجين الجدد،والقدامي، خاصة مع الاحتفال السنوى الذى تقيمه المدرسة وجمعية الخريجين ويحضره كبار كانوا ذات يوم فى مقاعد طلبة اليوم ويتذكر الجميع أعلاماً مصرية تعلمت فى المدرسة مثل الدكتور على مشرفة عالم الذرة المصري، ويوسف وهبى وأحمد مظهر وصلاح السعدني، ومثل توفيق الحكيم، ومحمد التابعى ومرسى عطالله، ومثل صالح سليم وغيرهم، ولنرى من خلال كلمات المسئولين عن المدرسة الآن اهمية التطوير المستمر لكل ما تضمه من إنشطة بعد ان اصبح عدد طلابها الآن أربعة الاف طالب، والآن بعد أكثر من مائة عام، اضيفت إليها مبان جديدة، ومكتبات، وملاعب، وأنشطة فنية كالمسارح، وليتفوق أبناؤها فى مسابقات حفظ القرآن الكريم، وفى مسابقات «أوائل الطلبة «، وحتى الإذاعة المدرسية.
الفرنسيون.. والتعليم المصرى
فى 6 أكتوبر عام 1928، وصل الملك فؤاد، ملك مصر ومعه حاشيته إلى منطقة الشاطبى على بحر الإسكندرية ليفتتح مدرسة «سان مارك «بعد اكتمال انشاء قبتها فى اليوم السابق، وبسبب موقعها الجغرافى الفريد، وطرازها الأكثر فرادة كما يقدمه الفيلم لنا من قاعات فسيحة مبهجة، وانفتاح الفصول على بعضها، وزخارف من عصور النهضة، تحولت المدرسة إلى مزار للكثيرين من الزوار من مختلف الثقافات وكان أولهم الملك الذى وقف مديرها الفرنسى يرحب به فى الافتتاح، وبعدها تبدأ رحلة جديدة مع التعليم فى مصر من خلال النظام الفرنسى «فى طابور الصباح طالب يعزف على البيانو، وآخر يقرأ الاخبار وثالث يقوم بتحية العلم «، ويقدم لنا الفيلم التاريخ الأسبق للمدرسة الذى بدأ عام 1847 بتأسيس مجموعة من الرهبان لمدرسة فى ميدان المنشية، وتستكمل د. بثينة عبدالرءوف خبيرة التعليم القصة بأن الإرساليات الأجنبية، خاصة مدارس الفرنسيسكان الإيطالية كانت مهتمة بإنشاء المدارس، والتى تعددت فى مصر فى القرن 18، واصبحت الفرنسية لغتها، ودرجة البكالوريا آخردرجاتها التعليمية، ووصل عددها إلى 35 مدرسة، وفى شهر مايو عام 1926، وضع مندوبو الملك فؤاد حجر الأساس للمدرسة التى أصبحت الآن ستة مدارس، ويمضى بنا الفيلم مع معلومات مهمة عن أدوار لهذه المدرسة لم تعد تقوم بها مثل أقسام متخصصة كانت تضمها «تعليم فني، تعليم صناعي، تعليم تجاري» وحيث كان الطلبة فى هذه الأقسام يحصلون على «شهادات تخرج عليا» وينتهى مسارهم التعليمى وتغير هذا بعد تبعيتها لوزارة التعليم المصرية، ولكنها احتفظت بشخصية فريدة وثرية كمدرسة تمتلك هذا المبنى ذا الطراز العريق الذى لابد وان يعجب به مشاهد الفيلم مثلي، بقاعاتها التى تشبه قاعات الاوبرا، ومسارحها، وأماكن أنشطة الرياضة المتعددة، وأنشطة اخرى يأتى اليها الطلاب تطوعا بعد انتهاء الدراسة كالكشافة، والتصوير، والأنشطة الداعمة لذوى الهمم فى «مركز الحياة» الذى إقامه الأب جاك بولادى بالتعاون مع الراهبة اليابانية اكيكو، اما فى الاحتفالات السنوية، فقد عاد للمدرسة بعض خريجيها الكبار ذوى المناصب الكبيرة سابقا مثل الدكتور عصمت عبدالمجيد وزير خارجية مصر، والدكتور إبراهيم محلب رئيس الوزراء والدكتور رشيد محمد رشيد، والفنان رشدى اباظة، والاقتصادى عماد الفايد، بل إن للمدرسة نوادى تتبع المدارس الشقيقة فى بريطانيا وبعض دول أوروبا وفقا لكلمات رامى خياط، رئيس جمعية خريجيها، مؤكدًا ان ما يجمع الكل منذ بداية انشائها هى روح المحبة والتسامح والتآخى التى زرعها المؤسسون فى دفعاتها الاولي، ويا تاريخ التعليم فى مصر، كم من المدارس والمؤسسات العريقة والمهمة سنراها فى الحلقات القادمة لهذه السلسلة المهمة والرائعة، والتى يستحق صُنّاعها كل تقدير وثناء كما تستحق قناتنا الوثائقية كل التحية على إنتاجها وايضاً الشركة المتحدة التى تنتمى اليها .. وفى انتظار الحلقات القادمة .








