يستهل عبدالقادر السعدنى فى مقدمة الكتاب المترجم «اعترافات جولدا مائير» أو «حياتي» عام 1975: «.. ولن يقتصر هذا الصراع على الحكومات لكنه سيوجه بالدرجة الأولى إلى الشعوب، وستكون مراحله محاولة قهرها فكريا ثم غزوها ثقافيا فاقتصاديا».
واعترافات رئيسة وزراء الكيان وخاصة فى الفصل المخصص للهزيمة والاعترافات الصريحة بعدم أحقيتهم «الصهاينة» فى أرض فلسطين العربية، وذلك عندما تقول وتكتب جولدا: «.. كنت أعرف أن كلارا ـ أخت جولدا ـ لن تأتى إلى فلسطين، قبل قيام اسرائيل، لشعورها أنها تنتمى إلى الولايات المتحدة الامريكية، أما فريد ـ زوج كلارا ـ فقد أوضح لى أنه يرفض كل أشكال المقومات ـ يقصد الدينية ـ وأنه ينظر إلى الصهيونية على أنها حركة رجعية إلى أبعد الحدود»… وإذا كان ذلك هو اعتراف أسرة جولدا برفضهم المجيء من أمريكا التى استقروا بها بعد هجرتهم من وطنهم «كييف» وكذلك اعترفت برأى زوجها فريد الذى أنكر على الصهيونية الاستيلاء على فلسطين، وذلك عندما تقول: «… أما الحكم الذاتى القومى فلم يكن يستثيره، ولم يكن يعتقد أن دولة ذات سيادة يمكن أن تخدم اليهود».. بل إن جولدا ذاتها تعترف أنها جاءت إلى فلسطين قبل قيام اسرائيل، أى قبل ان يسلب الصهاينة الوطن الفلسطينى من أصحابه الحقيقيين، والأبعد غرابة إلى حد اللامنطق أن جولدا تنسب كلا من بن جورين واسحق بن زيفى إلى فلسطين وتقول: «انهما من الفلسطينيين».
ونبدأ فى استعراض اعترافات جولدا من خلال كتابها، وبالأخص الفصل الرابع عشر منه، وعنونت هذا الفصل بـ «الهزيمة».. فتلك مفردة وحدها تكفى للترويج الحقيقى والصادق عما حدث للكيان وجيشه وشعبه عقب حرب المصريين وانتصار اكتوبر.
ومن بين الخمسة عشر فصلا بكتاب الاعترافات ترى جولدا أن الكتابة عن هزيمة كيبور هى الأهم.. لأنها الأقسى على نفسها وطاقتها.
وتستطرد: «لكنها حدثت، ومن هنا فلابد أن أكتب عنها، لا من الناحية العسكرية، فذلك أمر أتركه للآخرين، وإنما ككارثة ساحقة، وككابوس عشته بنفسي، وسيظل باقيا معى على الدوام».
للتاريخ ليس الماضى بل وللقادم من الأزمنة، على الجميع أن يردد ما قالته رئيسة وزراء الكيان فى كتابها الاعترافات وفى افتتاحية فصلها المخصص للـ «الهزيمة» فقد وصفت الهزيمة، هزيمتهم بأنها كابوس، وكارثة ساحقة، ولا يملك حتى الكذبّة المحترفين من التلاعب بصحيح هذا الاعتراف، أو تشويه معناه الجليّ عن هزيمة ساحقة كارثية لجيش الدفاع وكيانه وشعبه.
وتصف حال دولتها عقب عبور المصريين: «فقد وجدت نفسى فى موقف كنت فى قمة المسئولية، فى الوقت الذى واجهت فيه الدولة أكبر خطر عرفته».
لا مجال للتشكيك فى اعتراف جولدا أن حرب أكتوبر كانت أكبر خطر يواجه دولتها، ولم يكن الخطر الأكبر يحدق بدولتها فقط، بل قالت إنها شخصيا تعرضت لهذا الخطر، فقالت: «ومازال هناك حتى على الصعيد الشخصى الكثير مما لا يمكن قوله الآن، ولذا ما سأقوله ليس كل شيء، لكنه الحقيقة».
ولا شك أن حديث جولدا ـ لنا ـ يشنف الآذان ويطرب القلوب، فنحن وإن رضينا بأن نصر المصريين ككابوس عليها ـ شخصيا ـ وبخطره الأكبر على كيانها، وبكارثيته على جيشها، فقد علمنا منها اعترافا يؤكد أن هذا ليس كل شيء من الحقيقة، بل جزء يسير منها تسمح لها نفسيتها المحطمة، ومركزها كرئيسة وزراء بأن تبوح ببعض من الحقيقة وهى «الهزيمة» وسيأتى فى القادم إن شاء الله سرد لتفاصيل اعترافاتها عن حقيقة هزيمة كيبور ونصر أكتوبر.









