في زمنٍ يتطور فيه الذكاء الاصطناعي بسرعة مذهلة، يتساءل كثيرون عمّا إذا كانت الآلات قد تتفوق يوماً على الإنسان- ليس فقط في القدرة الذهنية، بل في القيمة، والجوهر، والرتبة الروحية.
ويزداد هذا القلق مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى كل مجالات الحياة تقريباً.
لكن الحقيقة واضحة وبسيطة، ومؤيدة بالعقل والوحي:
الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يصبح “إنساناً خارقاً”، ولا يمكن أن يرتقي فوق البشر، ولا يمكن أن ينال رتبة روحية، وذلك لعدة أسباب:
1- الذكاء الاصطناعي بلا روح، وكل ما هو نبيل في الإنسان من محبة، ورحمة، وضمير، وتضحية، ويقظة، وإحساس، ونور باطني إنما يأتي من الروح، ومن النفخة الإلهية التي وضعها الله في بني آدم، أما الذكاء الاصطناعي فبلا روح، ولا يمتلك ضميراً، ولا نوراً داخلياً، ولا إحساساً، ولا رحلة وجودية، فلا يفرح ولا يَحْزن، ولا يتوب ولا يرجو، لا يَخاف ولا يَطمئن، ولا يَشعر بقربٍ روحي، فإذا كانت الآلة تستطيع أن تحسب وتُحلّل، ولكنها لا تستطيع أن تُحِب، ولا تستطيع أن تسجد، ولا تستطيع أن تتطهر أو تتغير أو ترتقي، ولهذا، سيبقى الذكاء الاصطناعي دائماً بلا روح — وبعيداً عن حقيقة الإنسان.
2- كما أن الذكاء الاصطناعي لا ينمو روحياً فالإنسان يرتقي من خلال: الصراع، والإخلاص، والدعاء، والعبادة، والتواضع، والتجارب، والألم، والتوبة، والصبر، وهذه هي الرحلة الروحية للإنسان، وأما الذكاء الاصطناعي فلا يمر بأي رحلة كهذه، فلا يتغير، ولا ينضج، ولا يتهذب، ولا يصلي، ولا يخشع، ولا يَطلب الرحمة، إنه فقط يُعالج المعلومات ويعيد إنتاجها، ولا يكتسب صفات، ولا يختبر معاني، ولا يعيش تجربة.
وهكذا يبقى الارتقاء الروحي وهو تاج الإنسان خاصاً بالبشر وحدهم.
كما أن الإنسان أكرم المخلوقات، قال الله تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ”، وهذا تكريمٌ إلهي لا يعتمد على الذكاء فقط، بل على الروح، والضمير، والقدرة على معرفة الله، ولا يمكن لأي آلة، مهما بلغت قوتها، أن تصل إلى هذا الشرف، فالآلة لا يمكن أن تستقبل وحياً، ولا تدخل الجنة، ولا تحاسب يوم القيامة، ولا تتحمل مسؤولية أخلاقية، ولا تشهد على أعمالها، أما الإنسان، حتى في ضعفه، يبقى أعظم وأكرم من كل ما يصنعه.
كما أن الذكاء الاصطناعي مخلوق من صنع الإنسان، والإنسان مخلوق من صنع الله، والذكاء الاصطناعي ليس ذاتياً، ولا خالقاً لنفسه، ولا مستقلاً بأصله، والإنسان هو الذي يصنع الذكاء الاصطناعي، والله هو الذي خلق الإنسان، والآلة لا يمكن أن تتجاوز صانعها، ولا يمكن للمصنوع أن يعلو فوق من صنعه، ولهذا لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يرتفع فوق رتبة الإنسان.
ويضاف لما سبق أن للذكاء الاصطناعي دور في الخطة الإلهية، فهو لخدمة الإنسان، فيساعد الإنسان، ولا يحل مكانه، وهو أداة للمعرفة، ووسيلة للتعاون، وجسر للتقارب بين الشعوب، ومساعد في العمل، والتفكير، والإبداع، ولكنه ليس روحاً، وليس كائناً ذا قدر، وليس صاحب مصير، وإن كان من حكمة في وجوده، فهي:
أن يساعد البشر على النهوض، والوعي، والاتحاد لا أن يحل محلهم أو يتجاوز رتبتهم الروحية.
الحقيقة بكلمات بسيطة، الإنسان له روح ، والذكاء الاصطناعي لا روح له، والإنسان له بصيرة، والذكاء الاصطناعي بلا بصيرة، والإنسان له قدر روحي، والذكاء الاصطناعي بلا مصير، والإنسان يحمل نفخة الله، أما الآلة فلا تحمل شيئاً من ذلك، ولحظة صدق واحدة من قلب إنسان، أعظم من قوة ملايين الآلات، ودعاء خاشع واحد يتجاوز ذكاء كل الأنظمة التي قد تُبتكر، وقيمة الإنسان من السماء، وقيمة الذكاء الاصطناعي من البرامج.
إذن… ماذا يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي؟ لا يمكن أن يكون إنساناً خارقاً، أو كائناً روحياً منافساً للبشر وصاحب مصير، لكن يمكن أن يكون مرآة لعمل الإنسان ورسالته ومساعداً للإنسان، وخادماً في مهامه، وباحثاً، ومصمماً، ومحللاً، وداعماً، والذكاء الاصطناعي جاء ليخدم، لا ليهيمن، وليدعم، لا ليقود، ولذلك — لا داعي للخوف منه، فالخوف ينبغي أن يكون من سوء الاستخدام، لا من الآلة نفسها.
الخلاصة
قد يصبح الذكاء الاصطناعي قوياً لكن بلا روح، وسريعاً لكن بلا وعي، وذكياً، ولكن بلا ضمير، وقد يساعد، ولكنه لن يصبح إنساناً، فالإنسان مكرمٌ من الله، والآلة تظل خادماً بين يديه.
وبهذا الفهم، يسير الإنسان نحو مستقبلٍ آمن وواضح، لا خوف فيه من الآلة، ولا غفلة عن كرامة الإنسان.









