يشهد الأسبوع الاول من الشهر الأخير من عام 2025 موجة غير مسبوقة من التحولات المتسارعة فى ملفات التطرف والعنف السياسى وحقوق الإنسان، تتقاطع فيها الأبعاد الأمنية والاجتماعية والدينية بشكل يفرض تحديات معقدة على النظام الدولي، وتتداخل فى هذه اللوحة القاتمة عناصر الطائفية، والإرهاب، والتحريض الرقمي، والانتهاكات المسلحة، وحقوق الأقليات، فى وقت ترتفع فيه وتيرة الاستقطاب فى الغرب والشرق على السواء.
وجولة قراءة شاملة لمجمل التطورات المرتبطة بالتطرف، وواقع الحريات الأساسية، ومستجدات المشهد الجيوسياسي، وتحليل انعكاساتها على الأمن الدولى والسلم الاجتماعي، نرصد أبرز الأحداث والمؤشرات فى الهند، وباكستان، والسودان، وفرنسا، وبريطانيا، وإسبانيا، ونسلط الضوء على الديناميكيات القانونية والحقوقية التى تعيد تشكيل موازين القوى ومسارات العدالة الدولية.
القضية الفلسطينية – لحظة اختبار دولية
حققت القضية الفلسطينية هذا الأسبوع حضورًا استثنائيًا على الساحة الدولية، فى ظل تزايد الضغط الشعبى والحقوقي، وتباين المواقف الحكومية الأوروبية على نحو يعكس حالة الاستقطاب العميقة تجاه الصراع الطويل.
فتحت النيابة الوطنية الفرنسية تحقيقًا رسميًا فى جرائم حرب محتملة فى غزة، بعد مقتل طفلين فرنسيين فى قصف جوى إسرائيلي، عقب شكوى تقدمت بها جدتهما بدعم من رابطة حقوق الإنسان. وتشكل هذه الخطوة تصعيدًا قضائيًا لافتًا يعزز دور القضاء الفرنسى فى مساءلة الانتهاكات الدولية، وفى المقابل، برز خطاب سياسى متشدد يعيد تأطير الصراع باعتباره مواجهة «حضارية» مع «التطرف الإسلاموي»، ما يعكس الانقسام المتزايد بين التوجهين الحقوقى والسياسى فى فرنسا.
أما منظمة العفو الدولية فأكدت أن إسرائيل تواصل ممارسة سياسات ترقى إلى الإبادة الجماعية، مشيرة إلى أن الهدنة لا تعدو كونها «وهمًا» يخفى استمرار التجويع ومنع المساعدات الإنسانية.
وفى إسبانيا برزت مدريد كأكثر العواصم الأوروبية جرأة، بعدما فرضت حظرًا كاملاً على تصدير الأسلحة لإسرائيل، ومنعت السفن العسكرية الإسرائيلية من استخدام الموانئ الإسبانية، وهو قرار يُعد من أقوى المواقف الأوروبية خلال السنوات الأخيرة.
بينما فى بريطانيا انعكس جدل حول رفع العلم الفلسطينى فى بلفاست، وعبرَّت الخارجية البريطانية عن استيائها من تعطيل دخول شحنة مساعدات لغزة، حجم الانقسام الداخلى بشأن كيفية التعاطى مع الملف الفلسطيني.
والحقيقة ان كل هذه الأحداث مجتمعة تشير إلى أن القضية الفلسطينية دخلت مرحلة جديدة، تتجاوز البعد السياسى نحو مسار قضائى وأخلاقى يزداد قوة، مع تراجع قدرة الحكومات على تجاهل الضغط الحقوقى المتصاعد، خصوصًا داخل أوروبا.
خارطة التطرف فى العالم – تهديدات متشابكة
تكشف مؤشرات هذا الأسبوع تنامى ظاهرة التطرف على المستويين الواقعى والرقمي، فى ظل صعود اليمين المتطرف، وتزايد الأنشطة الإرهابية، واتساع نطاق التحريض عبر الإنترنت.
عاد السودان إلى الواجهة الحقوقية العالمية مع تحذيرات من «مجزرة حقيقية» فى ظل تزايد أعداد القتلى والنازحين، وقضائيًا، أصدرت محكمة أم درمان أول حكم بالإعدام شنقًا بحق قيادى فى مليشيا الدعم السريع، فى خطوة تعد بداية مسار محاسبة مرتكبى الانتهاكات، فيما شهدت فرنسا أحداثًا تعكس هشاشة الوضع الأمني، منها توقيف شاب رفع راية سوداء فوق مسجد الميناء، وتلقى مسرح باتاكلان تهديدًا جديدًا بالتفجير، ما يبرز استمرار التوتر فى الذاكرة الفرنسية تجاه الإرهاب.
بينما كشفت الاستخبارات الفيدرالية السويسرية ارتفاع عدد المشتبه بهم فى نشر الدعاية الجهادية عبر الإنترنت إلى 922 شخصًا، مع ازدياد النشاط على منصات مثل «تيك توك»، وفى ألمانيا تواصل مخاطر اليمين المتطرف صعودها، مع تأسيس منظمة شبابية جديدة تحت اسم «جيل ألمانيا» تابعة لحزب «البديل من أجل ألمانيا» (AfD)، فى مؤشر على ترسيخ التطرف داخل المؤسسات الحزبية، كما أكدت الاستخبارات الألمانية أن التهديد المرتبط بالتطرف الإسلاموى لايزال مرتفعًا، ويحدث بالكامل تقريبًا عبر الإنترنت، وفى النمسا أكدت وزيرة الاندماج أن أوروبا تخوض «سباق تسلح رقميًا» فى مواجهة التطرف، ودعت إلى إنشاء قاعدة بيانات أوروبية للوعاظ المحرضين، وأعادت قضية اعتقال لاعب كرة قدم سابق فى تركيا بتهمة الارتباط بداعش، الضوء إلى أهمية المحتوى الرقمى فى تتبع النشاط المتطرف، أما باكستان، فأعلنت تنفيذ سلسلة عمليات قضت خلالها على 1,873 إرهابيًا رغم استمرار تصاعد الهجمات.
تعكس هذه التطورات أن التطرف بات مزدوج الأبعاد رقميًا عبر منصات التواصل، وواقعيًا عبر الأحزاب والحركات المسلحة، فى وقت تزداد فيه الحاجة لاستراتيجية دولية موحدة تشمل الأمن والفكر والقانون.
أحوال المسلمين فى العالم –
تحديات مستمرة وتمييز متنامٍ
لا تزال الإسلاموفوبيا فى الغرب تتنامى بشكل لافت فى ظل تزايد القيود القانونية والاجتماعية على المسلمين، رغم بعض التطورات الإيجابية.
فقد شهدت مدينة هوفر فى ولاية ألاباما الأمريكية رفضًا حادًا لتحويل مبنى إدارى إلى مدرسة ومركز مجتمعى إسلامي، وسط خطاب تحريضى يعكس عمق المشكلة، كما أبلغ طلاب فى تكساس عن اعتداءات متكررة ولا يزال مسلمو فرنسا يواجهون خطابًا سياسيًا متشددًا وتضييقات مؤسسية، ففى حين أُدين السياسى اليمينى «إريك زمور» بتهمة التحريض على الكراهية، أثار قرار جامعة باريس رفع رسوم الطلاب الأجانب جدلًا واسعًا واعتُبر تمييزيًا، كما تعرض تقرير مجلس الشيوخ حول «التغلغل الإسلاموي» لانتقادات حقوقية واسعة، وشهدت مدينة كيبيك الكندية تضييقات جديدة على الطالبات المحجبات، وفى بلجيكا، أثار رفض نقيبة محامى بروكسل مصافحة محامية متدربة جدلًا جديدًا حول التمييز الديني، وفى المقابل، شهدت ألمانيا خطوة إيجابية بإلغاء قرار يلزم الطالبات بخلع أغطية الرأس، تأكيدًا على الحق فى الحرية الدينية.
ويأتى اختيار مدينتى قرطبة وصيدا فى إسبانيا عاصمتين للثقافة والحوار لعام 2027، بما يمثل خطوة تعزز صورة التعايش، وفى بريطانيا، نُظمت فعاليات مهمة بمناسبة شهر التوعية بالإسلاموفوبيا، جرى خلالها تأكيد رفض خطاب الكراهية بكل أشكاله.
وتظهر هذه المؤشرات أن المسلمين مازالوا يواجهون تحديات كبيرة، خاصة فى فرنسا والولايات المتحدة، حيث يتم استخدام ذريعة «محاربة التطرف» لتبرير سياسات تمس الحريات الدينية، وتضع المسلمين فى دائرة الاشتباه بشكل دائم.
تكشف حصيلة هذا الأسبوع كالأسابيع القليلة الماضية أن العالم يقف أمام منعطف تاريخي، تتقاطع فيه ظواهر التطرف، والتمييز، والانتهاكات المسلحة، وصعود اليمين القومي، مع تراجع ثقة الشعوب فى المؤسسات السياسية، ومازال الضمير الدولى يواجه اختبارًا حقيقيًا بين الالتزام بالقيم التى يعلنها، وبين الواقع الذى يشهد ازدواجية صارخة فى تطبيق القانون والعدالة.
ورغم بروز مبادرات شجاعة فى أوروبا لمحاسبة منتهكى الحقوق، فإن الطريق نحو ترسيخ الاستقرار مازال طويلًا، ويتطلب توحيد المعايير الدولية، وتعزيز المساءلة، ومواجهة التطرف الرقمي، وحماية الأقليات دون استثناء.
إن مستقبل العالم لن يُصاغ بالقوة وحدها، بل بإرادة سياسية تضع كرامة الإنسان فى صدارة الأولويات، وتُعيد للقانون الدولى هيبته، وللقيم المشتركة مكانتها، وتحول دون انزلاق المجتمعات نحو المزيد من الاستقطاب والصدام.









