رغم كل ما يُقال عن انحسار الصحف الورقية وتأثير مواقع التواصل الاجتماعى عليها.. إلا أنى شخصياً لا أظن أو أتوقع أن يحدث ذلك أولاً وقبل أى شيء هو فقدان تلك المواقع للمصداقية.. وإغراق الناس فى التفاهات والشائعات وإضاعة الوقت فيما لا فائدة منه.
وسيمضى الزمان ويدرك الناس هذه الحقيقة ويعودون إلى سيرتهم الأولى وعادتهم الجميلة فى قراءة الصحف مع قهوة الصباح أو فى أوقات الخلو إلى النفس حيث الهدوء والسكينة والتقاط الثقافة والإعلام عبر الفن الصحفي، والمهنية العالية، والمصداقية والاطمئنان والثقة التى حافظت عليها الصحف خاصة القومية منها عبر العقود الطويلة من السنين.
وتظل الصحف القومية تواصل رسالتها بكل دأب ومسئولية، وفى مقدمتها صحيفتنا الأثيرة إلى القلب «الجمهورية» التى احتفلت بالأمس بعيدها الثانى والسبعين فى تواصل وازدهار، رغم كل هذه الأقاويل التى اعتاد أن يرددها المتشائمون منذ ما يقرب من 20 عاماً.
وتبقى «الجمهورية» فى رأى الكثيرين حالة خاصة باعتبارها جريدة الشعب، لاسيما منذ عهد باعثها الأكبر الأستاذ الراحل الكبير محسن محمد فى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حيث جعل لها شخصية صحفية متفردة ذات طابع مميز يرتبط بالقارئ وحده خاصة فى الأوساط الشعبية الحضرية والريفية والثقافية.
وأذكر للأستاذ محسن محمد فى أحد الاجتماعات الدورية التى كانت تعقد مع أسرة التحرير بصالة الأخبار بالمبنى القديم بشارع زكريا أحمد، وكان يسمح للمحررين الشباب المتدربين بحضورها أنه قال بصراحة وتواضع الكبار الواثقين فى أنفسهم إننا لن نستطيع منافسة الصحيفتين الكبيرتين فى ذلك الوقت «الأهرام» و»الأخبار»، ولكننا نستطيع أن نجتذب قارئاً جديداً لم تعتد هذه الصحف التركيز معه، وشغل اهتمامه الخاص، ليس بصفحات الرياضة التى كانت تميز «الجمهورية» وحدها.. ولكن بطرق أبواب جديدة تحوذ اهتمام رجل الشارع، وتسلط الأضواء على شريحة عريضة من المواطنين، لم تعتد هذه الصحف الكتابة عنهم، وعن حياتهم ومشكلاتهم خاصة ممن يعملون فى دأب وصمت.
وقال إنه لا يحبذ على سبيل المثال الكتابة عن نجوم معروفين مثل فاتن حمامة أو نجيب محفوظ، ولكنه يطلب الاهتمام بنجوم الصف الثانى والثالث فى كل المجالات.. ففى الفن مثلاً يمكن تسليط الأضواء على «الكومبارس» الذى يعمل فى السينما، ويعد من أهم عناصرها الأساسية، ولكن لا أحد يعرفه أو يتحدث عنه.
وكذلك – أيضاً – الموظف البسيط فى الإدارات الحكومية أو عسكرى المرور الذى يعمل فى عز الحر والبرد، وقد يفقد حياته دون أن يشعر به أحد.. أو ساعى البريد، أو كناس الشارع، وغيرهم من «الجنود المجهولين» حيث حمل أحد الأبواب الصحفية هذا العنوان.
وطافت «الجمهورية» وقتها الحوارى والأزقة، تتحدث عن هذا التراث العريق وأهله من المصريين الأصلاء الذين يحتفظون بكثير من العادات المصرية الجديدة يتوارثونها أباً عن جد خاصة فى الصناعات الحرفية واليدوية.. وكذلك اهتمت «الجمهورية» بالمشكلات الاجتماعية والإنسانية، ومن بينها العنوسة للشباب والفتيات ممن فاتهم قطار الزواج، وخصصت أبواباً لمن يريد عروساً، ومعها أسعار العفش والأثاث وأماكن إقامة الأفراح.
وارتبطت «الجمهورية» على مدى سنوات طويلة بهؤلاء الناس الذين نشرت أعياد ميلادهم وصورهم بجانب نجوم الفن والمجتمع.
وكانت «الجمهورية» لا تتردد فى نشر أخبار ومشكلات التجار ورجال الأعمال الشرفاء بعيداً عن شبهة الإعلان التى كانت تتحسب منه الصحف الأخري، بل نشرت أخبار الوفيات مجاناً لمعاونة ذويهم الذين لم يكن بمقدرتهم تحمل التكاليف الباهظة التى تدفع للصحيفة الشهيرة.
واهتمت «الجمهورية» بالحياة السياسية وأخبار الأحزاب ونواب البرلمان فى ظل التعدد الحزبى الذى سمح به الرئيس السادات فى أواخر السبعينيات.
> وتبرز «الجمهورية» فى الفترة الحالية كخير معبر عن المصداقية والفن الصحفى الرفيع والمتابعات الإخبارية الواقعية والمقالات والتحليلات التى تضيف للقارئ معرفة ودراية بالأحداث.. مع الاهتمام بالشخصيات التاريخية التى تؤهل لطرفة الماضى وتواصل مع الحاضر.. وتظل أيضاً خير معبر عن الوطنية والانحياز لمصر الدولة فى أسمى معانيها وبناء مصر الحديثة.. يقودها الصحفى القدير أحمد أيوب.. أعانه الله والزملاء المخلصون للحفاظ على مسيرة النجاح، والاستمرارية.. هذا الطابع الوطنى والشعبى المتميز الذى يحفظ هذه الجريدة فى ظل دعم الدولة التى تدرك أهمية الحفاظ على الصحافة القومية التى تواكب التطور الرقمى فى تكامل معرفى يلبى احتياجات القارئ ويحميه من تغول «السوشيال ميديا» وفقدانها للمصداقية، وغرقها فى بحور الشائعات..!!









