يفرض التعليم نفسه اليوم بوصفه الركيزة الأكثر تأثيراً فى مستقبل الدولة.. ليس فقط باعتباره مدخلاً للمعرفة، بل لأنه أصبح المحرك الأساسى للصناعة والاقتصاد وسوق العمل، بل وحتى المسار السياسى والاجتماعي.. ومن يتابع المشهد المصرى خلال الأيام الأخيرة يدرك أن قضية التعليم باتت فى قلب الأولويات الرئاسية، بعد أن تناول الرئيس عبدالفتاح السيسى الملف فى أكثر من مناسبة، سواء خلال لقائه خبراء التعليم الياباني، أو أثناء اجتماعه بوزير التربية والتعليم، وهو ما يعكس إدراكاً واضحاً بأن إصلاح التعليم لم يعد مجرد خطوة تطويرية، بل مشروع دولة يرتبط ارتباطاً مباشراً بقدرتها على المنافسة فى عالم سريع التغيّر.
اللقاء مع وفد الخبراء اليابانيين أعاد التأكيد على الرهان المصرى الكبير على التجربة اليابانية فى الإدارة المدرسية وبناء شخصية الطالب.. فمنذ إطلاق مشروع المدارس المصرية- اليابانية، بات واضحاً أن الدولة تتعامل معه بوصفه نموذجاً نوعياً لتغيير الثقافة التعليمية وليس مجرد تجربة إضافية داخل المنظومة.. الحديث الرئاسى عن إزالة أى عقبات أمام نجاح هذه المدارس يعكس قناعة بأن الاستثمار فى التجربة اليابانية هو استثمار فى جيل جديد يمتلك مهارات حقيقية، وقدرة على الانضباط، واحترام الوقت، والعمل بروح الفريق، وهى قيم طالما افتقدتها نظم التعليم التقليدية.
يبلغ عدد هذه المدارس اليوم 69مدرسة، استطاعت خلال ثمانى سنوات أن تخلق نموذجاً مميزاً فى الانضباط، والأنشطة، وتدريب المعلمين.. وقد عبّر الوفد اليابانى عن رغبته فى التوسع من خلال زيادة الفصول والمراحل التعليمية وتعيين معلمين جدد على أعلى مستوى من الكفاءة بعد حصولهم على التدريب المناسب.. هذا التوجه لا يهدف فقط إلى تحسين العملية التعليمية، بل إلى خلق بيئة تمكّن الطلاب من تحديد مسارهم المهنى مبكراً، والالتحاق بسوق عمل أصبح لا يعترف إلا بالكفاءة والمهارة.
فى السياق نفسه، حمل اجتماع الرئيس مع وزير التعليم إشارات واضحة إلى أن التحول الرقمى فى التعليم أصبح خياراً لا يمكن التراجع عنه. وقد أعلنت الوزارة بدء تدريس مادة البرمجة والذكاء الاصطناعى بالصف الأول الثانوى اعتباراً من العام الدراسى 2026/2027، فى خطوة تعكس رغبة الدولة فى تهيئة جيل قادر على التعامل مع مهارات المستقبل.. وتؤكد التجربة الحالية على منصة «كيريو» اليابانية أن الطلاب يمتلكون قابلية كبيرة لاستيعاب محتوى متقدم، حيث أتم أكثر من 236 ألف طالب البرنامج التدريبى كاملاً.
لا يمكن الحديث عن هذا التوجه، دون التوقف أمام الدور المتسارع للذكاء الاصطناعى فى إعادة تشكيل العملية التعليمية.. فإدخاله فى المناهج لايعنى فقط تدريب الطلاب على أدوات المستقبل، بل استخدامه لتحليل الأداء التعليمى وتصميم مسارات تعلم فردية تتناسب مع قدرات كل طالب.








