تحدثنا بالأمس عن ضرورة وجود وثيقة معلنة لاستراتيجية الأمن القومى المصرى وقلنا أن مصر تمتلك مشروعًا قوميًا شاملاً للإصلاح وفى القلب منه رؤية كاملة للأمن القومى بأ بعاده المختلفة وكانت البداية بالاتجاه الجنوبى ومياه النيل واليوم نستكمل..
حيث يبقى الملف الفلسطينى الشغل الشاغل للمصريين، ليس فقط بدافع تاريخى أو أخلاقي، بل بوصفه جزءاً من معادلة الأمن القومى ذاته. فمصر لا تنظر إلى فلسطين كملف تفاوضى مؤقت بل كقضية مستدامة يجب الحفاظ فيها على الحد الأدنى من فرص السلام لحين إقامة الدولة الفلسطينية ، شرط أن يكون سلاماً حقيقياً لا غطاءً للهيمنة ولا إطاراً لفرض الأمر الواقع كما تفعل إسرائيل حين تتجاهل جوهر الصراع وتحاول تكريس حلول من طرف واحد.
>>>
ويقع فى قلب الرؤية المصرية أيضاً الاحتياج إلى سلام إقليمى حقيقي، سلام يُبنى على قناعة الأطراف بجدواه لا على ميزان القوة وحده. ومن هنا تأتى أهمية العلاقات مع دول الخليج والعراق والأردن، فهى ليست علاقات مصلحية عابرة، بل ركيزة لاستقرار عربى يتعرض لضربات قاسية. وفى هذا الإطار يبدو الرفض المصرى لأى وجود لقوات أجنبية – وبشكل خاص تركية – فى الدول العربية أمراً بديهياً، إذ لا يمكن لدولة مسئولة أن تقبل بتمدد عسكرى خارجى فى محيطها القريب، وخاصة فى ليبيا التى تشكل خط تماس غربياً لا يقل حساسية عن الجنوب.
>>>
وعلى المستوى الدولى تسعى مصر إلى الحفاظ على اتزان استراتيجى ضرورى بين القوى الكبرى: الولايات المتحدة، الصين، روسيا، وأوروبا. فالعصر لم يعد يسمح بالاصطفافات الصلبة، ومصر تدرك أن تعدد الشراكات هو الطريق الأمثل للحفاظ على استقلالية القرار.
>>>
ومع كل ذلك يظل فتح علاقات متوازنة مع إيران وتركيا والسعودية ضرورة إقليمية، ليس من باب المجاملة الدبلوماسية، بل من أجل هندسة ترتيبات أمن إقليمى جديد يقلل من فرص الانفجار ويعيد للعقل العربى مساحة الحركة.
>>>
إن وثيقة تضم هذه الرؤية وتعلنها بثقة ستكون خطوة بالغة الأهمية فى قراءة التوجهات المصرية، وستُفهم داخلياً وخارجياً على أنها إعلان ثقة فى المشروع الوطني. وربما آن الوقت لصدورها، ليس لتقول جديداً، بل لتنقل ما هو قائم بالفعل من دائرة الفعل إلى دائرة الوعى العام.









