عندما تنسج الخيوط قدراً: من هواية طفولية إلى الإحتراف
على الرغم من حصولها على بكالوريوس التجارة في إدارة الأعمال ثم دبلوم عام تربوي من جامعة القاهرة وشغلها وظائف تربوية متعددة فإن شغف “إنجي ” ظل دائمًا مربوطًا بخيط وإبرة يقودها إلى عالم من الإبداع لم ينقطع منذ طفولتها.
بدأت رحلتها المهنية بالعمل لمدة ست سنوات أخصائي تطوير تكنولوجي في مدرسة ابتدائية تلتها سنتان في مدرسة خاصة داخل قسم النشاط حيث تولت تعليم الطالبات مهارات الكروشيه والتطريز والأعمال اليدوية إلا أن جذور الحكاية تعود لسنوات أبعد حين كانت طفلة صغيرة تراقب والدتها وهي تنسج من الصوف ملابس شتوية لها ولأخواتها ووالدها وتزين اركان المنزل بمفارشها المبهجة وسط إعجاب كل من يرى تلك القطع المصنوعة بحب.
تقول في حديثها للجمهورية كنت أتأمل يدَي أمي بشغف وأتمنى أن أستطيع الإمساك بإبرة مثلها
وسرعان ما تحققت الأمنية فبدأت الأم في تعليمها وما إن بلغت المرحلة الإعدادية حتى نسجت أول بلوزة كاملة دون باترون في عمل فاجأ والدتها وأدهش كل من رآه توالت بعد ذلك محاولاتها وظلت تصنع ملابس ترتديها بألوان وأشكال تحبها إلى أن إنشغلت بالدراسة والعمل لسنوات فابتعدت مؤقتًا عن هوايتها الأولى.
لكن القدر كان يخبئ لها عودة أجمل فبعد الزواج وإنجاب طفلها الأول وتفرغها له ظهر في الأفق عالم أميجرومي فن صناعة دمى الكروشيه وهو فن من الفنون اليابانية ويعني حياكة الدمى على شكل حيوانات مجسمة صغيرة الحجم وحشوها والكلمة مشتقة من مزج كلمة “أمي” ومعناها حياكة وكلمة “جورومي” وتعني دمية محشوة ليعيد إليها الشغف القديم من أوسع أبوابه وتروي موقفًا تعتبره نقطة التحول:
“كان ابني مولعًا بشخصية النمر الوردي وإنقطع التيار الكهربائي يومًا لثلاث ساعات متواصلة فبكى لأنه لم يستطع متابعة كرتونه المفضل أمسكت الخيط والإبرة وصنعت له الدمية دون باترون أو فيديو قائلة لا أعرف حتى الآن كيف نفّذتها، لكن فرحته بها كانت لا تُنسى.”
حتى اليوم يحتفظ طفلها الذي أصبح في الصف الثاني الإعدادي بالدمية كذكرى غالية ومن هنا ولدت الفكرة: لماذا لا تتحول الهواية إلى مسار إبداعي؟
بدأت تتابع دروس فنانات الأميجرومي وإستعادت مهارتها سريعًا لتنسج عشرات العرائس لأطفالها وتقدم قطعًا أخرى كهدايا للأقارب والصديقات حتى وصلت إلى مرحلة الإتقان والإحتراف تمكنها من تنوع عرائسها ونسج العديد من الشخصيات الكرتونية والرمضانية كبوجي وطمطم وفطوطة وفنانيس .

وعن أهم عرائسها واحدثها هي ” نحور ” والتي ولدت عند إشتعال الأحداث الدامية في غزة وإنتشار فيديوهات للأخوة الفلسطنين وتهجيرهم ليظهر أمامها فيديو لأب بائس يحمل أبناءه علي كتفية وفوق ظهرة في مشهد أبكاها لتجد نفسها تجري علي خيوطها وتنسج العروسة مع إضافة لمستها الفنية بشغل طفل يمسك بيد والدة حاملا علم فلسطين يعبر عن حالهم يوم تهجيرهم وقد شاركت بها في إحدى مسابقات الفيس بوك لتفوز بالمركز الأول وتسجيل أعلي نسب إعجاب وتعليقات إيجابية .
اليوم تمثل أعمالها اليدوية قصة شغف ممتد خيوط صغيرة تنسج ذكريات وأحلامًا وتحوّل الإبرة إلى أداة تمنح الفرح لمن حولها وتكتب فصولًا جديدة في رحلة بدأت منذ طفولتها وما زالت تنمو بخيوط الإبداع.










