حكى لنا صاحبنا في ترقب وقلق كيف أنها تلاحقه أينما كان وحيثما وجد، وأنها تأبى مفارقته كلما حاول نسيانها ليعود إلى ممارسة حياته الطبيعية، ومتى التقط أنفاسه قليلاً حتى تفاجئه بحضورها الذي يكاد يفقده عقله في بعض الأحيان.
ويحاول طوال الوقت مقاومة حضورها المؤثر وتوابعه القاسية، وإلى الآن مازال يقاوم ويحتمل! سأله واحد من الأصحاب من هي؟ فأجاب على الفور الصدمة! وعند كلمته سادت حالة من الإحباط والتعليقات الساخرة على ما تصوره الأصحاب من وجود شخصية حقيقية بالفعل، غير أن أحد الأصحاب علق قائلاً لست وحدك إنها تطاردنا جميعاً.
جاءت الانطلاقة الأولى لفهم معنى الصدمة من علم النفس حيث تم التعريف بوصفها استجابة عاطفية قوية لحدث مؤلم أو مخيف يهدد الشخص من حيث سلامته أو أمنه، ومن ثم تؤدي إلى شعور قوي بالخوف والعجز، وتتضمن أسبابها الحوادث الفردية والعنف والمرض الخطير، وعلى المستوى الجمعي، الحروب والكوارث الطبيعية والتقلبات الاقتصادية، وبالتالي تؤثر فردياً وجماعياً على السلوك والأفكار والعلاقات الإنسانية، وقد تظهر أعراضها فورياً أو بعد فترة من الوقت وهي تتطلب دائماً دعماً علاجياً مناسباً في حالات كثيرة وفي كتابها المهم “عقيدة الصدمة” 2009 تشرح الكاتبة الكندية (ناعومي كلاين)، كيف يمكن استغلال الصدمة في ظل حدوث كارثة ما سواء كانت إرهاباً أو انهيارًا للسوق أو حروباً أو إعصارات وزلازل من أجل تمرير سياسات اقتصادية واجتماعية لا يمكن قبولها في الأحوال العادية.
وقد طرح عالم الاقتصاد ورائد الليبرالية الجديدة (ميلتون فريدمان) فكرة نقل الصدمة من الحالة الفردية – النفسية إلى الاستراتيجية بوصفها علاجاً ناجحاً للأمر السياسي والاقتصادي معاً، بمعنى طرح سياسات معينة بوصفها علاجاً صادماً بعد حدوث الصدمة، وعلى سبيل المثال، ما حدث مع استغلال أحداث سبتمبر 2001 كصدمة قوية تم ترويجها إعلامياً للقيام بمجموعة من الصدمات في أنحاء العالم المختلفة.
ويكون السؤال: هل يمكن اعتبار الصدمة رأسمال يمكن استثماره على نحو صادم؟ وفي مجال الفكر يطرح الفيلسوف الفرنسي (آلان باديو) كيف أن الكوارث بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية أنتجت لنا فكراً صادماً ليس إلا سفسطة فكرية –ما بعد البنيوية- في ظل الشعور بالخيبة واللاوجودي في هذا العالم مما جعل الفكر أو الفلسفة غير قادرة على إنتاج الجديد والمبدع بالنسبة لحقائق الحياة – إننا نعيش عالم الصدمة يومياً على مستويات متعددة، وكلما تصورنا النهاية كانت البداية!
ويعبر المبدع (سيد حجاب) عن هذه الحالة عندما يقول وينفلت من بين إيدينا الزمان كأنه سحبة قوس في أوتار كمان وتنفطر ليام.









