في إصدار هو الأول من نوعه باللغة العربية، أطلقت دار الحكمة حديثًا كتاب «الإدارة الاستراتيجية في وسائل الإعلام» للدكتور عاطف عبدالله، في خطوة تهدف إلى سد فجوة معرفية طالما عانت منها المؤسسات الإعلامية في المنطقة، وتقديم مرجع علمي متخصص يعالج قضايا التخطيط الاستراتيجي في قطاع الإعلام.
خارطة طريق لصناعة الإعلام
يقدّم الكتاب رؤية شاملة لصناعة الإعلام عالميًا، مستعرضًا نماذج الأعمال، التجارب الدولية، محركات النمو، وأدوار الاستراتيجيين داخل المؤسسات الإعلامية. كما يتناول أبرز القضايا الاستراتيجية الراهنة التي تشكّل مستقبل القطاع، ويطرح أدوات عملية تمكّن المؤسسات من تحسين عملية اتخاذ القرار وتنفيذ الاستراتيجيات بفعالية.
من النظرية إلى التطبيق
يضم الكتاب 12 فصلًا تغطي الجوانب النظرية والعملية للإدارة الاستراتيجية، وبينها تحليل البيئة الداخلية والخارجية، إدارة الموارد، التخطيط طويل المدى، وتقييم الأداء. ويمنح هذا المحتوى المؤسسات الإعلامية إطارًا تطبيقيًا واضحًا لتطوير قدراتها وتعزيز استدامة أعمالها في ظل بيئة متغيرة وسريعة التطور.
تحديات واستراتيجيات متغيرة
يركز الكتاب على أهم التحديات التي تواجه البيئة الاستراتيجية للمؤسسات الإعلامية، مستعرضًا العوامل المؤثرة في صياغة البدائل الاستراتيجية وتنفيذها. ويقدّم مرجعًا مهمًا للدارسين والمهنيين الراغبين في فهم العلاقة بين الإدارة الاستراتيجية ونجاح المؤسسات الإعلامية في مواجهة التحولات العالمية.
إضافة نوعية للمكتبة العربية
يمثل الكتاب إضافة قيمة للمكتبة العربية، كونه يعمّق المعرفة المتخصصة في مجال الإدارة الاستراتيجية للإعلام، ويتيح للمهتمين بالقطاع استكشاف نماذج النجاح الدولية وإمكانية توظيفها في البيئات المحلية والإقليمية، بما يعزز قدرة المؤسسات على مواجهة تحديات السوق وتطوير تنافسيتها.
تحولات عميقة في المشهد الإعلامي
ويعرض الدكتور عاطف عبدالله التطورات التاريخية التي مرّت بها وسائل الإعلام، مشيرًا إلى أن الصناعة تشهد نمطًا متكررًا من التحول والتكيّف؛ بدءًا من منافسة الإذاعة للصحافة الورقية، ثم التلفزيون للإذاعة، وصولًا إلى الإنترنت التي أعادت تشكيل المشهد الإعلامي بالكامل.
ويؤكد أن التقنيات الناشئة – مثل الذكاء الاصطناعي، الواقع المعزز، البث الحي، والمحتوى المولَّد من المستخدمين – أحدثت اضطرابًا كبيرًا في الصناعة، رغم ما وفّرته من فرص وأدوات تجديد.
تغيّر سلوك الجمهور… وتراجع الإيرادات
وأوضح أن التغيرات المتسارعة أدت إلى تحولات جوهرية في سلوك الجمهور، الذي بات يميل إلى التغطية الفورية، والمرونة في استهلاك المحتوى، والمشاهدة حسب الطلب. وأسهم هذا التحول في ضغوط بنيوية على صناعة الصحافة خلال العقدين الأخيرين، انعكست في تراجع الإيرادات، تقلص الاشتراكات، وانكماش سوق الإعلانات، ما دفع العديد من الصحف إلى التوقف عن الصدور.
كما لم تعد القنوات التلفزيونية بمنأى عن هذه التحولات؛ إذ فقدت جزءًا من جمهورها لصالح منصات البث الرقمي مثل «نتفليكس» و«أمازون برايم فيديو» و«ديزني+» و«شاهد» و«واتش إت»، ما أجبرها على إعادة النظر في نماذج أعمالها وأساليب تشغيلها.
هيمنة التكنولوجيا وتحديات جديدة
وأشار المؤلف إلى أن شركات التكنولوجيا العملاقة في وادي السيليكون – مثل «جوجل» و«ميتا» و«أمازون» – استحوذت على الحصة الأكبر من سوق الإعلان الرقمي المتوقع أن يتجاوز تريليون دولار بحلول 2026، مستفيدة من توسع الهواتف الذكية ونمو التجارة الإلكترونية.
وفي المقابل، صارت عائدات المؤسسات الإعلامية أكثر تقلبًا نتيجة اشتداد المنافسة على سوق إعلان محدود النمو.
كما لفت إلى أن الذكاء الاصطناعي يُحدث اليوم تحوّلًا مشابهًا لما أحدثته تلك الشركات قبل عقدين، مع تقديرات تشير إلى أنه سيكون وراء إنتاج نحو 90% من المحتوى الرقمي بحلول عام 2027، ما يجعل الحفاظ على الجودة والتميّز تحديًا مركزيًا للمؤسسات الإعلامية.
نحو إدارة استراتيجية أكثر فاعلية
ويختتم الكتاب بتأكيد أن الصناعة الإعلامية باتت مطالبة باعتماد نهج استراتيجي شامل للتكيف مع الواقع الرقمي الجديد، في ظل بيئة أعمال مضطربة وتحديات اقتصادية وتكنولوجية واجتماعية متشابكة.
ويشدد على أن الإدارة الاستراتيجية أصبحت أداة حاسمة لاتخاذ المبادرات الفعّالة والاستعداد للمستقبل، بدلًا من اقتصار المؤسسات على ردود الأفعال المتأخرة.










