لم يعد «جيل زد» في مصر، أو ما يُعرف بـ«جين زي» – المولود ما بين 1997 و2012- مجرد فئة عمرية تعيش أطراف المشهد، بل أصبح رقماً صعباً في معادلة المجتمع وسوق العمل والتعليم والوعي العام. هذا الجيل الذي فتحت عيناه على الإنترنت، وتشكّل وعيه وسط أزمات اقتصادية وتغيرات سياسية متلاحقة، يدخل اليوم الساحة بصوت عالٍ، مطالباً بواقع مختلف تماماً عن ذلك الذي عرفته الأجيال السابقة.
ورغم الانتقادات المتكررة التي تُوجَّه إليهم- من أنهم «لا يصبرون»، أو «يبحثون عن طرق سهلة»، أو «يتمردون بلا سبب» – إلا أن قراءة احتياجاتهم تكشف أن مطالبهم منطقية، بل ومتوافقة مع التحولات التي يشهدها العالم، ومع واقع مصري متغير يفرض إعادة التفكير في طرق الإدارة والتعليم والعمل.
في سوق عمل مصري مضغوط تتداخل فيه البطالة مع العمل غير الرسمي، يبحث جيل زد عن مسار مهني ذو قيمة حقيقية.. لا يكفيه العمل في وظيفة روتينية مقابل مرتب بالكاد يكفي.. يريد أن يشعر بأنه جزء من مشروع له تأثير، يريدون عملاً يضيف لملفهم الشخصي بقدر ما يضيف إلى المجتمع. الشباب اليوم يسألون: «هعمل إيه؟ وهتفرق في إيه؟».
هذا الجيل لا يرى في العمل من الساعة «9 إلى 5» نموذجًا مقدسًا، بل يرى أن الإنتاجية مرتبطة بالنتيجة لا بالمكتب.
وهم يتوقعون من المدراء أن يكونوا مرشدين لا متحكمين، وأن تبنى المؤسسات على الحوار والشفافية.
جيل زد هو أكثر جيل في التاريخ يتحدث علناً عن التوتر والقلق والاكتئاب.
نعم، هم جيل يعاني نفسياً أكثر، لكنهم أيضاً أول جيل يملك الشجاعة للاعتراف بالحاجة للمساعدة.
هذا الجيل لا يساوم على حقه في التعبير عن نفسه، سواء في السياسة أو المجتمع أو الثقافة.
وسائل التواصل وفرت لهم منبراً، لكنهم يريدون أكثر: يريدون نفوذاً حقيقياً داخل القرارات التي تمسّ حياتهم، وهم قادرون على إسقاط شركات كاملة بسبب إعلان واحد يرونه «غير صادق»، إنهم جيل يعتبر الإبداع مهارة أساسية مثل القراءة والكتابة، لذلك ينجذبون للغات البرمجة والفنون الرقمية وصناعة المحتوى والعمل الحر.
خلاصة القول: جيل زد ليس صعباً… بل صريح وواضح، ربما يطالب جيل زد بالكثير، لكن الحقيقة أن مطالبه ليست ترفاً، بل هي انعكاس طبيعي لعصر يعيش تحولات سريعة ومربكة.
السؤال الحقيقي ليس: «كيف نُقنعهم بالانخراط في المنظومة؟»
بل: «كيف نعيد تشكيل المنظومة لتكون أكثر إنصافًا ومرونة وكفاءة، بما يناسبهم ويناسب المستقبل؟»
استعدوا… لأن جيل زد لن ينتظر أحداً كي يلحق به.









