مع اقتراب انطلاق استعدادات وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني لامتحانات الثانوية العامة 2026، المقرر بدؤها في 20 يونيو المقبل وفق الخريطة الزمنية للعام الدراسي، يتجدد الجدل حول قدرة المنظومة على تحقيق الشفافية والعدالة لأكثر من 750 ألف طالب وطالبة يدخلون هذا السباق المصيري كل عام.
لطالما شكلت امتحانات الثانوية العامة التحدي الأكبر للوزارة بسبب حجم الضغوط المجتمعية وتعقيد المنظومة، إلا أن ما جرى في امتحانات 2025 الماضية ألقى بظلال واسعة على مشهد الشفافية، بعدما حُجِبَ، ولأول مرة في تاريخها، الإعلان عن الإحصاءات التفصيلية المصاحبة للنتيجة.
غياب الأرقام يفتح الباب للتشكيك
اكتفت وزارة التعليم في 2025 بالإعلان عن النسبة العامة للنجاح التي بلغت 79.2% في النظام الحديث و 72.7% في النظام القديم، إلى جانب عدد الطلاب المتقدمين والحاضرين والناجحين.
لكنها في المقابل امتنعت عن نشر أربعة إحصائيات رئيسية كانت تمثل الأساس العلمي لقياس جودة العملية التعليمية، وهي:
- مقارنات نسب النجاح بالأعوام الخمسة الماضية.
- معدلات النجاح حسب نوعية المدارس (حكومية، رسمية لغات، خاصة، خاصة لغات، منازل، خدمات).
- نسب فئات المجموع للطلاب الناجحين.
- نتائج ونسب النجاح في كل مادة على حدة.
إن هذه المؤشرات كانت تستخدمها الجامعات والمراكز البحثية في وضع دراسات تربوية دقيقة، وتساعد في عملية تنسيق القبول وفهم اتجاهات المجاميع. ومع غيابها، أصبحت الساحة الرقمية مفتوحة أمام القصص المتداولة حول الغش الإلكتروني وفشل مواجهة التسريبات، الأمر الذي أسهم في اهتزاز ثقة المجتمع في منظومة الثانوية العامة.
ويزداد الأمر أهمية إذا علمنا أن نسبة النجاح في 2025 انخفضت بنحو 2% عن عام 2024، دون تفسير رسمي أو تحليلات تربوية معتمدة. ويكفي أن نعلم أن منصة التواصل الاجتماعي “إكس” (X) شهدت 1700 منشور يتحدث فيها أصحابها عن الغش داخل لجان الامتحانات.
كما لم يتم الإعلان خلال العام الماضي أيضًا، لأول مرة، عن أعداد حالات الغش التي ضُبطت يوميًا أثناء الامتحانات ولا الأدوات المستخدمة، علمًا بأن هذه البيانات تُمثل رادعًا واضحًا ورسالة بأن الوزارة تملك السيطرة الكاملة على اللجان.
تحدي المراقبين والبيروقراطية
على مستوى أعمال المراقبة والملاحظة في نحو 1900 لجنة امتحانية للثانوية العامة سنويًا على مستوى الجمهورية، تبرز مشكلة أخرى لا تقل خطورة تتمثل في آلية اختيار المراقبين والمعلمين المكلفين بأعمال اللجان.
تعتمد المنظومة الحالية على قواعد بيانات قديمة وإجراءات يدوية معقدة، تؤدي إلى ثلاث سلبيات كبرى:
- ازدحام داخل كنترولات الثانوية العامة لتقديم اعتذارات العمل قبل انطلاق الامتحانات بأيام.
- انتداب معلمين لمناطق بعيدة بتكاليف مالية تفوق مكافآت الامتحانات.
- وجود معلمين راغبين في العمل بالفعل لكن النظام اليدوي لا يسمح بإدراجهم.
تُعد هذه الفجوة أحد أكبر أسباب الارتباك التنظيمي في بعض اللجان، خاصة مع الحاجة إلى اختيار إلكتروني ذكي يراعي محل السكن والخبرة والرغبة، ويضمن عدالة توزيع الأعباء بين المعلمين.
6 خطوات لاستعادة الشفافية في 2026
تتمثل الخطوات الست المقترحة لضمان شفافية وعدالة امتحانات الثانوية العامة في عام 2026 في الآتي:
- نشر البيانات التفصيلية للنتيجة: ويهدف هذا الإجراء إلى ضمان الشفافية وإتاحة الفرصة للباحثين لتقييم العملية التعليمية بشكل دقيق.
- الإعلان اليومي عن حالات الغش: ويهدف هذا الإجراء إلى فرض الردع وتأكيد السيطرة الكاملة على لجان الامتحانات.
- رقمنة عملية اختيار المراقبين: وتهدف إلى إنهاء الاعتذارات العشوائية وتوزيع المهام بين المعلمين بعدالة وكفاءة.
- إصدار تقرير سنوي رسمي: ويهدف هذا التقرير، الذي يصدر عقب إعلان النتيجة مباشرة، إلى نشر مؤشرات الجودة والتحليلات الموضوعية ودروس الموسم الامتحاني.
- تطوير مواجهة الغش الإلكتروني: وذلك عبر استخدام تقنيات التشويش والكاميرات وأنظمة الذكاء الاصطناعي للكشف عن أي سلوك غير طبيعي داخل اللجان.
- رفع وعي المجتمع وإدماجه في الرقابة: ويهدف هذا الإجراء إلى توفير آليات مباشرة للإبلاغ عن حالات الغش، خاصة في “لجان الأكابر”، مع التأكيد على ضرورة الإعلان عن نتائج تلك البلاغات.
ختامًا، فإن امتحانات الثانوية العامة ليست مجرد اختبارات؛ إنها حدث قومي تتعلق نتائجه بثقة المجتمع كله في التعليم. ولا سبيل لاستعادة تلك الثقة في 2026 إلا من خلال عودة الشفافية الكاملة التي كانت عنوانًا للمنظومة لسنوات، وتطوير آليات الإدارة والتقييم بما يليق بحجم الحدث وتأثيره.









