إذا رأيت مجموعة من القنافد تحاصر فراشة أصابها الإعياء واستسلمت تمامًا لإرادة المكتسين بالأشواك، هل سترى أى نوع من البطولة فى سلوك هذه القنافد؟ أم أنك ستحتقر هذا التقنفد الفظ على فراشة مسكينة؟ الإنسان الطبيعى سوف يمقت هذا الاستئساد، لكن الإنسان المريض الذى يعانى من نوبات ذكورية مدمرة لإنسانيته قد يستمتع بهذا الحصار الفوضوي. هذا المشهد الرمزي، على بساطته، يعكس نموذجًا حيًا لما تتعرض له المرأة فى بعض البيئات المحلية من حصار اجتماعى قاسٍ، لا يختلف كثيرًا عن قنافد تهاجم فراشة لا حول لها ولا قوة.
>>>
المؤلم أن ممارسات الظلم الاجتماعى ضد المرأة لا تأتى دائمًــا فى شكل حادثة صادمة أو فعــل استثنائي، بل كثيرًا ما تتجلى فى تفاصيل يومية تستقر فى العقول تحت مسمى العرف أو التراث أو حماية الشرف.
إننا نعيش فى مجتمع يرفع شعارات الفضيلة، لكنه فى بعض جوانبه يرسّخ سلوكيات تهين المرأة وتختزل قيمتها فى تصورات بدائية تجاوزها الزمن.
>>>
فالمرأة فى كثير من القرى والبيئات الريفية ما زالت تتحمل عبء أخطاء المجتمع وتناقضاته، وتُحاسب على شرف العائلة والقبيلة، بينما الرجل غالبًا ما يُعفى من المساءلة.
وما زال البعض يتعامل مع جسد المرأة كمنطقة مفتوحة للشك والاتهام والتفتيش، وكأنها ملكية عامة عليها أن تُثبت براءتها فى كل لحظة.
>>>
نسأل هنا بوضوح لا لبس فيه:
>لماذا تُحرم المرأة من ميراثها الشرعى فى بعض المجتمعات رغم وضوح النصوص الدينية؟
> لماذا تُنتهك حرمة جسدها ليلة الزفاف تحت ذريعة «إثبات العذرية»؟
> لماذا تُعامل المرأة وكأنها المتهمة الأولى فى كل خلاف عائلى أو شبهة اجتماعية؟
> ولماذا تغرق فى دهاليز الطلاق والحضانة والنفقة وكأن القانون وُضع ليعاقبها لا ليحميها؟
>>>
هذه الأسئلة ليست مجرد نقد اجتماعي، بل محاولة لاكتشاف البنية العميقة للظلم التى تُمارس ضد النساء باسم العادات، وتُبرر بمفردات مثل «العيب» و»الحفاظ على البيوت» و»الكلام بين الناس».
لكن الحقيقة أن هذه المفردات ليست إلا أقنعة تخفى وراءها نظامًا اجتماعيًا غير عادل، يرسّخ النظرة الدونية للمرأة، ويحمّلها وحدها وزر كل ما يراه المجتمع مخزيًا أو مرفوضًا.
>>>
والأدهى من ذلك أن المجتمع ذاته يتظاهر بالتدين، بينما ينسى أن الدين «كل الدين» يقوم على الرحمة والعدل وحفظ الكرامة. فأى تدين هذا الذى يبنى قيمه على التضييق على المرأة؟ وأى أخلاق هذه التى ترى فى قمع النساء نوعًا من الحماية أو الرجولة؟
>>>
إن الدفاع عن الأعراف البالية ليس إلا دفاعًا عن تكلّس فكرى يجرّ المجتمع إلى الخلف، ويجعل المرأة تعيش فى مواجهة دائمة مع منظومة اجتماعية لا تمنحها حقها إلا بعد عناء طويل.
>>>
ليس المطلوب زيادة عدد النساء فى الوزارات أو المقاعد البرلمانية؛ هذه مكتسبات رمزية ما لم تتغير الثقافة العامة.
فالتمكين الحقيقى للمرأة لا يبدأ من فوق، بل من القيم المتجذرة فى المجتمع، من التربية والوعى والتعليم، من الإعلام الذى يعيد تعريف الشرف على أنه صدق وعدل ورحمة، لا رقابة على الجسد أو مصادرة للحرية.
>>>
نحتاج مدرسة تُعلّم احترام الإنسان قبل أن تُعلّم القراءة والكتابة، وإلى إعلام يواجه الجهل بدلًا من أن يجمله، وإلى مجتمع يعترف بأن العيب الحقيقى ليس فى المرأة التى تتعرض للظلم، بل فى العقول التى سمحت بوقوع ذلك الظلم.
>>>
إن الحل لا يكمن فقط فى العقاب القانوني، بل فى ثورة مجتمعية تنهى هذه النظرة المتوارثة. ثورة تبدأ من الفرد، وتمتد إلى الأسرة، ثم إلى الشارع، ثم إلى المؤسسات التى ينبغى أن تكون حامية للمرأة، لا شاهدة على معاناتها.
>>>
لقد آن الأوان لأن نقف أمام المرآة، ونواجه عيوبنا بشجاعة.
فالمجتمع الذى يحاصر نساءه بالأعراف والخرافات، مجتمع يجرح إنسانيته قبل أن يجرحهن.
كرامة المرأة ليست موضوعًا للمساومة، ولا للاختبار، ولا للتشكيك.
والجهل «مهما طال» لا يمكن أن يكون قدرًا، ولا يمكن أن يقود مجتمعًا يريد أن يحيا بكرامة وعدل.









