لا شيء أشد الماً على المجتمع من ان يتحول المكان المفترض ان يحتضن الاطفال ويمنحهم الامان الى ساحة تهدد اجسادهم وتكسر ارواحهم، لم تعد حوادث الاعتداء الجنسى داخل المدارس مجرد اخبار عابرة تقرأ ثم تنسى بل اصبحت ازمة حقيقية تهدد براءة الاطفال وسلامتهم النفسية والجسدية.
اى عقل يقبل ان يذهب طفل الى مدرسته صباحا ليتعلم فيعود مساء محطم خائف عاجز عن فهم ما حدث لجسده الصغير، المشكلة لم تعد حادثة هنا او اخرى هناك بل خلل مؤسسى يسمح بتحويل بيئة التعلم الى خطر يومى بدل ان تكون مساحة للامان والنمو.
فى نوفمبر 2025 شهدت مدرسة دولية بالقاهرة حادثة صادمة خمسة اطفال فى مرحلة رياض الاطفال تعرضوا للاعتداء داخل غرفة معزولة، على يد اربعة موظفين، استدرجوا الصغار وهددوهم بسكين لاجبارهم على الصمت، الاكثر فداحة ان بعض المعتدين سبق فصلهم بسبب شبهات مماثلة ثم اعيدوا للعمل وكأن براءة الاطفال مجرد ورقة اختبار قابلة للعبث.
وفى البحيرة اصدرت محكمة دمنهور حكما بالسجن المؤبد على موظف مدرسى بعد ثبوت اعتدائه على طفل يبلغ ست سنوات رغم غياب علامات اصابة ظاهرة، هذا وحده يكشف مدى صعوبة كشف هذه الجرائم فى ظل خوف الاطفال والاهالى من الابلاغ وغياب ادوات رصد قادرة على اكتشاف الانتهاكات قبل وقوعها.
لم تتوقف الحوادث عند القاهرة والبحيرة فقد سجلت الاسكندرية والصعيد وقائع مشابهة، الامر لم يعد حوادث فردية متفرقة بل نمطا يفضح خللا اخلاقيا ومؤسسيا يهدد الطفولة ويشوه المستقبل.
الارقام الرسمية لا تعطى مجالا للتهوين فقد تلقى خط نجدة الطفل التابع للمجلس القومى للطفولة والامومة خلال عام 2024 مامجموعه 21424 بلاغا تتعلق بحماية الاطفال من مختلف اشكال الخطر والانتهاك، اما فى يناير وفبراير 2025 وحدهما فقد تلقى الخط اكثر من 66645 مكالمة معظمها تخص اطفالا فى وضع خطر او يحتاجون الى تدخل عاجل هذه الارقام ليست بيانات جامدة بل مؤشرات على مئات القصص المخفية خلف ابواب البيوت والمدارس قصص لا يملك اصحابها القدرة على الكلام.
اسباب تكرار هذه الجرائم متشابكة ضعف اجراءات التوظيف والفحص النفسى والجنائى غياب الرقابة على الممرات وغرف الخدمات ثقافة الصمت والخوف نقص وعى الاطفال بحقوق اجسادهم والبطء القانونى الذى يمنح الجناة وقتا كافيا للهروب او اعادة الظهور فى مؤسسات اخرى الاعتداء الجنسى لا يترك اثرا على الجسد فحسب بل يترك ندوبا على الروح.
حماية الاجيال القادمة تبدأ بفحص جنائى ونفسى صارم لكل من يتعامل مع الاطفال ورقابة فعلية بالكاميرات والاشراف المباشر وتعليم الاطفال ابجديات الحماية، حقهم فى اجسادهم، وكيف يقولون لا ، الى جانب اشراك اولياء الامور بصورة فاعلة، وعقوبات رادعة، لا تكتفى بالحكم القضائي، بل تمنع تكرار الجريمة، وتفضح مرتكبيها، مع حملات توعية تكسر جدار الصمت وتعيد للطفولة صوتها.
اذا لم نستيقظ اليوم فسيسالنا اطفال الغد اين كنتم حين كنا نهان ؟؟ حماية الاطفال ليست رفاهية ولا اختيارا سياسيا بل واجب اخلاقى ووطنى ودينى انقذوا الاطفال قبل ان يعتادوا الخوف.. المدرسة يجب ان تكون ملاذا آمنا لا مصيدة تهدد مستقبلهم الاطفال ليسوا ارقاما فى تقارير بل وجوه صغيرة وارواح ان انكسرت انكسر الوطن معها.
تغليظ العقوبات خطوة مهمة لكنها وحدها لا تكفي، تضافر الجهود اصبح فرض عين على الدولة والمجتمع والاسرة، لا للتحرش لا لصمت الخائفين لالمدارس تحمى الجناة وتفضل سمعتها على جسد طفل.









