من بين فيض البشارات التى يحملها البرنامج الرائع دولة التلاوة أنه أعاد للأذهان فضيلة وقاعدة ما يجب أن يسمع وما يجب أن يقدم إلى الناس.. وأعاد إلى الأذهان فضيلة مهجورة وهى احترام عقلية المشاهد وأن البرامج الإذاعية والتليفزيونية لا يجب أن نتركها سداحا مداحا كما لو كانت تعمل فى فراغ.
إعادة الجمهور إلى الشاشة فضيلة كبرى لا يمكن التقليل منها فى وقت تتصاعد فيه حملات العبث بالعقول مستخدمة كل الفنون المتاحة للاختراق والسيطرة واللعب فى مصادر التوجيه والتثقيف ووسائل التنشئة الاجتماعية..
فلأول مرة منذ زمن بعيد اسمع أناسا يتحدثون ويتواصون بمشاهدة برنامج الساعة كذا يوم كذا على شاشة كذا وهو أمر افتقدناه كثيراً فى بلادنا.. أمر أسعدنى كثيراً خاصة أن البرنامج مرتبط بأهل القرآن أهل الله وخاصته برنامج يأخذ إلى حيث الأنوار ومنابعها الصافية وجمال اشراقاتها الوضيئة وأهلها الكرام البررة..
من بشارات برنامج دولة التلاوة تلك العودة المرتقبة والحميدة للسميعة الكبار وهى قضية مهمة ولها تأثيرها فى الوجدان العام.. ولا يمكن أن ننكر أن الانتشار الكبير والالتفاف حول البرنامج من مختلف الطبقات والاجناس خلق طبقة هائلة من السميعة اسرهم سحر القراءات القرآنية الخاشعة التى تخطف القلوب قبل العقول..
لم يتوقف السميعة عند أهل القرآن فقط ولكننى وجدت أناسا عاديين جداً يبدون إعجابهم ويتحدثون بحب ودهشة وإعجاب بما يسمعون ويشيدون بنماذج القراء وتلاواتهم خاصة من الشباب والأطفال ويتمنون لو كانوا أولادهم..
ذهالنى موقف أعضاء لجنة التحكيم الحالية فقد تناسوا مهمتهم التحكيمية حينا وظهروا وكأنهم من طبقة كبار السميعة وهم بالفعل كذلك.. ومن يتابع البرنامج يشاهد لحظات الانفعال والاعجاب والتعبير العفوى عن ذلك الاستحسان والاعجاب وكلهم اشتركوا فى ذلك بلا استثناء بمن فيهم رئيس اللجنة فضيلة الشيخ حسن عبدالنبى الذى كان يرفع يديه عالياً صائحا الله.. بل إن الشيخ طه وقف محييا مهللا الله.. وكذا فعل الشيخ الطاروطى ولم يغب عن ردود الأفعال هذه فضيلة الدكتور أسامة الازهرى وزير الأوقاف الذى كان يتابع بدأب وبشغف أعمال المسابقة وأحيانا مشاركا وموجها ومديراً لدفة التنافس وإلقاء إضاءات مهمة لتحفيز المتسابقين أو للتنوير ببعض الأحكام فى القراءات وما شابه..
وهنا لابد من توجيه التحية لفريق الاعداد والإخراج للبرنامج وسرعة البديهة لدى الفريق الفنى فى نقل الانفعالات الحية سواء لاعضاء لجنة التحكيم أو لجمهور الحاضرين سواء من الأقارب آباء وأمهات وأشقاء المتنافسين على جمال وحلاوة التلاوة ومدى تأثرهم ودموع الفرح والبهجة وغيرها وهو ما يضفى أجواء حميمية ويساهم فى رسم صورة حقيقية حول ما يجرى وهو أمر يعطى حيوية أكثر ويقرب الجمهور ويضعه فى قلب الحدث المبهر..
لابد من الإشارة إلى أن عالم السميعة يمتلكون قوة هائلة ولهم سلطانهم الأدبى والعلمى أيضا ولذلك يقول أهل الاختصاص إن لكل دولة شعباً وفى دولة التلاوة الرعية هم السميعة.. قد يتبادر إلى الأذهان أن السميعة هم من يهللون بالاستحسان والتشجيع لقارئ ما أو ما نسمعهم ونراهم فى الحفلات والموالد إياها.. وهذه صورة مغلوطة وليست حقيقية لأن جمهور السميعة ليسوا من الدراويش والعامة فقط بل فيهم نماذج من كبار المتخصصين سواء فى القراء أو من الفنانين والملحنين والمؤرخين والموسيقيين.. والتاريخ يذكرنا بعلاقات وثيقة بين كبار القراء ونجوم الفن والطرب وكبار الموسيقيين مثل فضيلة الشيخ مصطفى إسماعيل والموسيقار محمد عبدالوهاب والسيدة أم كلثوم وغيرهم..
يقول مؤرخو الفن إن عبدالوهاب وأم كلثوم كانا يسعيان إلى المقرئين ليتعلّما فنون الأداء والمقامات وارتبطا بعلاقة وثيقة مع بعض الشيوخ.
وكان عبدالوهاب إذا ما جلس للاستماع إلى الشيخ محمد رفعت يتحوّل إلى تلميذ أو بحسب تعبيره «خدّام الشيخ»، وظل سمّيعاً وصديقاً لكبار المقرئين كالشيخ مصطفى إسماعيل وعبدالباسط عبدالصمد.. وعندما رثت الدكتورة رتيبة الحفنى الشيخ مصطفى إسماعيل قالت: كان معهدا عاليا للموسيقى العربية.
والفنان عمار الشرعى أحد كبار السميعة صرخ ترحماً على الشيخ مصطفى عندما سمعه يتلو الآية الكريمة من سورة القمر: «فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر»: أقسم بالله لا يوجد موسيقى يمكنه التعبير عن التغيرات الدرامية فى هذه الآية كما فعل الشيخ. فالآية تحمل دعاء سيدنا نوح لما يئس من قومه تليها آية إجابة الدعاء من الله- عز وجل- وشتان بين صوت ونغم من يدعو وهو مغلوب راجياً من الله أن ينتصر له وبين الإجابة بفتح أبواب السماء بماء منهمر وتفجير الأرض عيونا.
والحديث عن السميعة الكبار موصول… والله المستعان..









