كتبت أكثر من مرة عن ظاهرة انتشرت فى السنوات الماضية وهى تسمية بعض النوادى الرياضية بأسماء بنوك وشركات ومؤسسات.
السؤال لماذا لا تذهب حقوق «تسمية الأندية» باسم شركات تجارية وكيانات اقتصادية ضخمة وبنوك كبري، لوزارة المالية ووزارة الرياضة والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فى مصر؟
المفارقة انه فى الوقت الذى تحصد هذه الشركات الأرباح من خلال هذه الأندية وتنفق الملايين فى شراء اللاعبين وأجور المدربين وحقوق الرعاية الخ، مع العلم انهم أندية بلا جمهور، يعنى هدفها إعلانى اقتصادي، وفى الوقت الذى نرى صراعاً على الدعم لبعض الاندية فى المحافظات وضياع حقوق للدولة التى يمكن توجيهها لمثل هذا الدعم. نعم شهدت الساحة الرياضية خلال السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا فى الأندية التى تحمل أسماء جهات استثمارية، سواء كانت شركات كبرى أو بنوك رائدة، وهذا يثير جدلاً واسعًا حول «حقوق التسمية» وما يترتب عليها من عوائد إعلانية ضخمة. ويتجلى الإعلان المجانى فى وصف المباريات مثلاً.
اللافت للنظر أن الشركات والبنوك التى تحمل الأندية اسمها تستفيد من «إعلان غير مباشر ومجاني» بمجرد ذكر اسمها الكامل فى التغطيات الإعلامية للمباريات. ففى كل مرة يُبث فيها لقاء على التلفزيون أو الفضائيات، أو يُنشر تقرير فى الصحف والمواقع، يتم ذكر اسم النادى متبوعًا باسم الشركة أو البنك «مثل: «نادى بنك كذا « أو «نادى شركة كذا».
فى الأخبار الإذاعية والتليفزيونية: «انتهت مباراة نادى بنك كذا ونادى الأهلى بالتعادل الإيجابي.» و»تُقال عشرات المرات فى الملخصات والأخبار». .. وبالتالى يتم ترسيخ اسم البنك «الكيان التجاري» فى أذهان المشاهدين دون دفع مقابل إعلانى للقناة، أقصد القنوات، الاخبارية والرياضية.
التغطية الإذاعية يقول المذيع: «نقل مباشر لأحداث مباراة نادى «اسم البنك أو الشركة» من استاد القاهرة الدولي.» يعنى الوصول إلى شريحة المستمعين فى السيارات وأماكن العمل، وايصال اسم الشركة أو البنك بشكل متكرر دون عقود رعاية إعلانية منفصلة وفى التغطية الصحفية مثال آخر: «تصدر بنك كذا جدول ترتيب فرق الدورى بعد فوزه اليوم» ..يعنى يتم ربط البنك أو الشركة بالنجاح والريادة والانتشار الشعبي، وهى قيم تسويقية لا تقدر بثمن.
يعنى القيمة الفعلية لهذا الانتشار الإعلامى للشركة الواحدة قد تتجاوز 500 مليون جنيه سنويًا، اما الأرباح فتكون بالمليارات لكل بنك أو شركة، وهو ما لا يُستقطع منه أى ضريبة أو رسوم إعلامية للدولة.
والسؤال: لماذا لا نحصل مقابل هذا «الإعلان الإجباري»؟
نعم تثير هذه الظاهرة تساؤلات جوهرية حول الآليات المنظمة لحقوق الإعلان فى الفضاء الإعلامي، خصوصًا فيما يتعلق بـ العائد المالى الناتج عن ذكر اسم الكيان التجارى بشكل مستمر فى وصف المباريات.
أعتقد آن الأوان لتحصيل قيمة حصيلة هذه «الإعلانات الخفية» لدعم جهود الدولة فى مجالات متعددة، ومنها دعم مراكز الشباب .. والمقترح الرئيسى هو توجيه هذه العوائد إلى اربع جهات رئيسية:
** وزارة المالية: كنوع من الضريبة على القيمة الإعلانية المضافة التى يكتسبها الكيان التجارى من استخدام الفضاء الرياضى والإعلامى العام.
** الهيئة الوطنية للإعلام: للمساهمة فى دعم وتطوير المحتوى الإعلامى والإشراف على التزام القنوات بالمعايير المهنية.
** الهيئة الوطنية للصحافة: لدعم المؤسسات الصحفية التى تقوم بالتغطية الشاملة لهذه الأنشطة.
** وزارة الرياضة لدعم مراكز الشباب التى لم تعد مجانية وتوفير الدعم المالى اللازم للفرق والمنشآت الرياضية وكقاعدة قانونية، لا ضريبة الا بقانون فنحن بحاجة إلى تشريع «حقوق التسمية الإعلامية»، فقد آن الأوان لوضع إطار تشريعى يُلزم الكيانات التجارية التى تستخدم اسم النادى كواجهة إعلانية دائمة بـ تحمل جزء من التكلفة الإعلانية لصالح الخزانة العامة للدولة والجهات الرقابية المسئولة عن تنظيم الإعلام.
هذه الأمثلة توضح أن استخدام أسماء الكيانات التجارية «شركات، بنوك، مؤسسات» كجــزء لايتجزأ من اسم النــادي، يمثل فى جوهــره «إعلانًا قســريًا أو إلزاميًا» يُفرض على جميع وسائل الإعلام والجمهور عند تغطية الأحداث الرياضية. وفى نفس الوقت يشكل خسارة ضريبية بفقد الدولة حصيلة ضريبية ورسومًا إعلانية كان يجب أن تُدفع مقابل هذا الانتشار الإعلامى الهائل.
من جهة ثانية تشكل منافسة غير عادلة بمنح هذه الشركة أو تلك، وهذا البنك أو ذاك ميزة إعلانية ضخمة، على حساب الشركات المنافسة التى تضطر لدفع مبالغ طائلة للظهور فى الإعلانات التقليدية… أما حقوق الجمهور الذى لا يجد من يتكلم باسمه، يمس تحويل التغطية الرياضية إلى إعلان دائم لحق الجمهور فى محتوى إعلامى محايد.
* نعم الاستثمار فى الرياضة أمر حيوي، ولكن يجب أن يتم فى إطار يضمن العدالة فى توزيع العوائد وعدم تحول الفضاء الرياضى العام إلى مجرد لوحة إعلانية مجانية لشركات وبنوك بعينها.
لكن على وزارة المالية والمجلس القومى للإعلام التدخل لتنظيم هذه المسألة، وفرض رسوم على القيمة الإعلانية المتولدة من «حقوق تسمية الأندية» فى التغطيات الإعلامية، .. وأعتقد ان ذلك خطوة ضرورية نحو تحقيق التوازن بين دعم الرياضة وحماية حقوق الدولة.









