تعترف جولدا مائير فى كتابها «حياتى» «ليس أشق علي نفسى من الكتابة عن حرب أكتوبر».. وتلك الشهادة كفيلة بإسكات الحمقى المشككين فى انتصار المصريين، وأيضا يكفى هذا الاعتراف فى خرس الألسنة المُضلّلة والمُهرطّقة بالباطل بأن المعركة كانت متعادلة، فلا يقبل المنطق الحكيم إلا بشهادة شاهد من أهلها، وهو ليس بشاهد عادي، بل صانع قرار، وعلى رأس النظام السياسى والعسكرى على الإطلاق، وهى جولدا مائير، وقبيل أن نستعرض اعترافاتها، أجد من الواجب إرجاع الفضل لاصحابه، وهى أيضا شهادة حق للتاريخ فقد تلقفت مؤسسة دار التعاون الكتاب فور صدوره فى انجلترا وفى ذات العام 1975 من نشره، مما يُدلّل علي وطنية المؤسسات الفكرية الصحفية فى مصر، ويعطى رسالة استشراف للمستقبل، ولحقيقة فهم الشخصية الصهيونية، مفادها: أننا نراكم جيدا، ونوثق شهاداتكم واعترافاتكم التى قد تحيدون عنها وتكذبون على العالم كما تحترفون الكذب على شعبكم.. اعتقد تمام اليقين بأن هذا هو الهدف من سرعة استجابة الترجمة والنشر لاعترافات جولدا مائير فى ذات عام نشرها لاعترافاتها.
إذ يفتتح ممدوح رضا رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار التعاون هذه الترجمة للاعترافات، بسطور غاية فى الأهمية: «.. لا أدرى كيف يمكن أن يصدر كتاب هام، يتصل بقضيتنا الكبري، ويظل ـ لفترة طويلة ـ بعيداً عن القارئ العربي» ويستطرد: «.. هنا الحديث يتصل بكتاب «حياتي» الذى كتبته جولدا مائير، والذى ظهر فى أوروبا قبل شهور».. ولنا هنا وقفة واجبة، لإعادة قراءة وتدبر افتتاحية ترجمة الكتاب، والتى تقدم لوما واضحا لتأخير تقديم هذا الكتاب للقارئ العربي، وهو يعنى العربي، لأن مصر كانت مسئولة عن الوعى العربى جميعا ـ وفقط اللوم لأن الكتاب تأخر عدة شهور بعد صدوره عن عرضه للرأى العام المصرى والعربي.
وتاريخيا فقد ظهرت لجنة التأليف والترجمة والنشر مع بدايات القرن العشرين وكانت بمثابة جسر ناقل للثقافات المختلفة من وإلى مصر والعرب معا وأعتقد أن صدور كتاب يحمل عنوانها لمؤلفه الشاعر والناقد أمل سالم يعطى انذارا بأهمية تبنى الثقافة لجمعيات ونواد للترجمة على غرار الجمعيات والنوادى الادبية، لاهمية هذه الآلية فى اعادة رسم ملامح الصورة الذهنية.
ونعود لمقدمة ترجمة كتاب الاعترافات يقول رئيس التحرير عبدالقادر السعدني: «هذا الكتاب على الرغم من أنه من كتب السيرة الذاتية، فإنه يعد مرجعا هاما لتاريخ نشأة اسرائيل، والصراع العربى الاسرائيلى من وجهة النظر الاسرائيلية» ويذهب رئيس التحرير إلى أبعد من سرد مبررات نشر هذه الترجمة، ويقول: «.. نُنَبه إلى أن جولدا مائير راعت وهى تكتب هذا الكتاب أنه موجه بالدرجة الأولى إلى القارئ الأوروبى والأمريكي» وهنا اتلقف أمراً آخرًا غاية فى الأهمية، وهو أن الغرب الذى يبنى علومه وثقافاته على فلسفة ديكارت المبنية على التشكيك وصولا للحقيقة، وهنا: أليس من المهم لدينا إعادة تصدير مضمون هذا الكتاب للغرب بقالبه النصى المباشر، وبغيره من القوالب الأدبية والاعلامية والدرامية، بهدف تشكيكه فى واقع قد فرضه الصهاينة مفاده أن حرب كيبور كانت لصالح دولة الكيان، لأنه ومع تكرار هذا القول ـ الكاذب ـ وترديده عبر أبواق الدعاية الدرامية والاعلامية والتعليمية يؤثر تأثيرا كبيرا على الصورة الذهنية لانتصار اكتوبر وهزيمة كيبور لدى الطيور المهاجرة من أبناء مصر فى الخارج، واترك للقارئ العزيز مشاركتى بالرأى نحو مدى سلبية أو ايجابية هذه الصورة الذهنية فى خضم الأمواج المتلاطمة والمتلاحقة ـ سريعا ـ من الإدعاءات والأكاذيب الصهيونية (!).









