هناك لحظات فى تاريخ الشعوب لا يدركها العالم إلا بعد أن تصبح واقعا لا يمكن تجاهله عندما افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى المعرض الدولى الرابع للصناعات الدفاعية «إيديكس 5202»، لم يكن الحدث مجرد استعراض تقنى أو عرض لمعدات عسكرية، بل كان إعلانا صريحا عن تحول إستراتيجى هادئ وممنهج صنعته مصر على مدى عشر سنوات، بعيداً عن الضوضاء والضجيج الدعائي.
من يتجول فى أروقة المعرض، سيدرك أن ما يعرض ليس مجرد ذخيرة أو طائرة مسيرة أو أنظمة حرب إلكترونية، بل شهادة على انتقال دولة كانت تعتمد على الاستيراد إلى دولة باتت تمتلك القدرة على تصميم وتطوير وإنتاج تكنولوجيا دفاعية معقدة محليا، زوارق هجومية، ذخائر ذكية، تحديثات للدبابات القتالية، وأنظمة اتصالات مشفرة جميعها صنع فى مصر، من مصانع لم يكن لها وجود قبل 51 عاما.
هذه المنتجات ليست نسخا ولا مجرد خطوط تجميع، بل نتاج عقول أبطال مصريين عملوا على نقل المعرفة، ثم تطويرها، ثم إنتاج نسخ أكثر تقدما من الأصل، وهنا يكمن جوهر التحول.
مصر لم تعد تطلب التكنولوجيا.. بل أصبحت تبنيها.
لكن ما يلفت النظر أن هذا التحول لم يقتصر على القطاع العسكري، بل انسحب تدريجيا على الاقتصاد المدنى من يزور أى متجر فى الإسكندرية أو القاهرة أو أسوان سيلاحظ مشهداً جديدا، رفوفاً مليئة بمنتجات محلية الجودة من الألبان والأدوية والمنظفات، إلى الأجهزة الكهربائية والأثاث والمواد الغذائية، ليست هذه الطفرة نتيجة حماية جماركية أو قيود على الواردات، بل نتيجة منافسة عادلة أصبح فيها المنتج المصرى الأفضل أو الأرخص أو كلاهما.
وراء هذا التحول تقف إستراتيجية تعتمد على ثلاث ركائز، تحديث المصانع، بناء سلاسل توريد محلية مختصرة وفعالة، والاستثمار الشامل فى التدريب والتصنيع المتقدم، ما حدث ليس صدفة، بل تنفيذ دقيق لمشروع وطنى يقوم على تقليل الاعتماد على الخارج دون الانغلاق عن العالم تدريجيا، تحولت مصر من دولة تعتمد على الاستيراد إلى دولة تختار بوعى ما تستورده، وما تنتجه، وما تطوره، وما تصدره ومع كل اتفاق تصنيع مشترك أو إنتاج أو مصنع جديد يفتتح يكون هناك شرط أساسى «استثمر هنا، لتصنع هنا، ليس لتبيع هنا».
هذا التحول يعكس تغيرا فى الهوية الاقتصادية للدولة، مصر لم تعد ترى نفسها أكبر سوق استهلاكى فى الشرق الأوسط، بل أكبر منصة إنتاج صناعى وتكنولوجى فيه وبعد سنوات قليلة، منافسا عالميا فى التصدير.
سيأتى يوم وقد يكون أقرب مما يتصوره كثيرون تصبح فيه عبارة «صنع فى مصر» علامة ثقة مثل «Made in Germany» و«Made in Korea» فالأهرامات احتاجت قرونا، أما النهضة الصناعية الجديدة فتتشكل فى جيل واحد.
افتتاح إيديكس لم يكن حدثا عسكريا فحسب، بل كان رسالة للعالم: «مصر لم تعد تنتظر مستقبلها.. بل تصنعه».









