كان للمدرسة الفقهية المصرية التى تكونت بعد الفتح أساتذة أوائل نقلوا علم رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، ووحى الله إليه عن فم رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، مباشرة وكان لهؤلاء تلاميذ نقلوا عنهم وفقهت عقولهم روح الدين ، فكانت هذه المدرسة التى ما زالت تفيض بعطائها إلى يومنا هذا.
كان من أولئك الأساتذة الذين نقلوا عن فم رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، وشرفت بهم أرض الكنانة حياة وجهادا وعلما ووفاة الصحابى عقبة بن عامر الجهنى خادم رسول الله وراوى أحاديثه ومفتى مصر وواليها. والذى روى عن إسلامه قائلاً: قدم رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، المدينة وأنا فى غنم لى أرعاها فتركتها ثم ذهبت إليه فقلت يارسول الله بايعنى فقال: بيعة أعرابية أم بيعة هجرة ؟ قال: قلت بل بيعة هجرة فبايعنى رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، وأقمت معه « أما قوله بيعة أعرابية أى أنه يبايعه ويعود إلى حيث كان أما بيعة الهجرة أى انه سيهجر كل شيء مثلما هجر المهاجرون من مكة ويلزم رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، وبالفعل ترك عقبة كل شيء وقد اضطرته بيعة الهجرة أن عاش فى عداد أهل الصفة، وهم أولئك النفر المؤمنون الذين خرجوا من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضات الله، ولم يكن لهم مأوى سوى المسجد النبوى وقد لزم عقبة رسول الله يخدمه ويقود بغلته حتى عد ممن شرفوا بخدمة رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، فنقل عنه مباشرة خمسة وخمسين حديثا حيث يذكر فى بداية إسلامه أنه اتفق مع رفاق له أن يتناوبوا رعاية الإبل حتى يتسنى لهم أن يسمعوا رسول الله بالتناوب فقال فيما رواه بن عساكر.. : جئت فى إثنى عشر راكبا حتى حللنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، فقال أصحابى من يرعى لنا ثلاثا وننطلق فنسمع من نبى الله «صلى الله عليه وسلم»، فإذا راح ورحنا أفشيناه ما سمعنا من رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، ففعلت ذلك أياما «أى انه قَبَل أن يرعى لهم وينطلقوا هم» ثم فكرت فى نفسى فقلت لعلى مغبون :يسمع أصحابى ما لم أسمع ويتعلمون ما لم أتعلم من نبى الله «صلى الله عليه وسلم»، فحضرت فسمعت رجلاً يقول قال نبى الله «صلى الله عليه وسلم»: من توضأ وضوءا كاملاً كان من خطيئته كيوم ولدته أمه».
كان سيدنا عقبة بن عامر أحد كبار علماء الصحابة فى مصر الذين تخرج عليهم الفقهاء والقضاة والمحدثون فقد سئل حنش بن عبدالله: كيف جعل عابس قاضياًَ على مصر وهو أعربى مدري؟ « أى كيف يكون رجل يعيش فى الصحراء بعيداً عن أماكن العلم ثم يكلف بالقضاء» قال: «أى حنش» إنه جــــالَس عقبــــة بن عامر وعبــداللــه بن عمرو واستفرغ علمهما. كما كان يُرجع إليه فى الفتيا أو كان مفتى مصر فى زمن واليها مسلمة بن مخلد هو ما يفهم مما رواه أحمــد عن طريــــق بن أبى رقية أنه سمع مسلمة بن مخلد يقول: ما يحمل الرجل المسلم على لبس الحريـــر وله من العصـــب والكتـــان ما يغنيه، وهذا بين أظهركم من يخبركم عن رسول الله «صلى الله عليه وســـلم»، قـــم يا عقبة فقام عقبــة بن عامر وأنا أسمع فقال إن سمعت رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، يقول: من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار وأشهد أنى سمعته يقول من لبس الحرير فى الدنيا حرمه أن يلبسه فى الآخرة وقد كان حريصاً فى النقل عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، لذا لم يكن يبدأ رواية حديث إلا بتذكير نفسه والناس بخطر التقوّل على رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، كما كانت إحدى وصاياه الثلاثة لأبنائه وهو على فراش الموت: «لا تأخذوا الحديث إلا من ثقة».









