قال لي صاحبي أنه منذ أن تولى الرجل رئاسة المؤسسة التي يعمل بها وهو يطبق نظرية الأضداد، أي تقسيم المؤسسة إلى ضديين متصارعين تحت شعار الحصول على أكثر قدر من الجهد والإنجاز لكن ما يحدث أن كل فريق يحاول إعاقة الآخر عن التقدم للأمام تارة بالوشاية أو بالكشف عن أخطاء الضد حتى لو كانت ضئيلة وتارة أخرى بإطاعة التعليمات والتوجيهات العليا بالتسابق للاستجابة لها دون نقاش أو إبداء الرأي والنتيجة أن الأمر ينجح أحياناً في ظل الالتزام بالجهد والوقت والجودة لكن في أحيان أخرى يخرج الأمر عن السيطرة، ومن ثم يهدد بالفشل الذريع.
وتشرح نظرية أو فلسفة الأضداد أن الأضداد أو المفاهيم المتعارضة ليست منفصلة، بل مترابطة ويعرُّف بعضها بعضاً، وأن هذا التضاد هو مصدر الحركة والتغيير في الوجود، هذا ما يؤكده الفكر من خلال الرؤى الفلسفية التي قدمها الفلاسفة عبر التاريخ مثل (هيراقليطس) الفيلسوف اليوناني الذي رأى الوجود كله هو وحدة الأضداد، وأن التناقض أو التضاد هو سبب الحركة.
ويرى (هيجل) الفيلسوف الألماني أن التناقضات هي الوسيلة الكاشفة عن الحقائق وهذا ما طرحه في منهجه الجدلي الذي قدم من خلاله جدلية السيد والعبد حيث يكون التضاد بينهما لكن يكتشف السيد أن الاعتراف الذي يحصل عليه من العبد ليس كاملاً لأنه لا يأتي من ندٍ مساوٍ فيصبح معتمداً على العبد في تلبية احتياجاته، ويفقد علاقته المباشرة مع العالم الخارجي.
وعلى المستوى العلمي والواقعي نفهم أن النور ضد الظلام وأن الخير ضد الشر، وأنه لو يكن اللون الأبيض موجوداً لما أدركنا وجود الأسود، وبغياب الليل لا يعرف النهار، نعم، الأضداد قائمة في الوجود على مستوى الطبيعة، وعلى مستوى الفهم الإنساني، لكن على مستوى الممارسة هل تتجاذب وتتفاعل الأضداد؟ دائماً ما تتم الإشارة إلى أن التشابه في القيم والاهتمامات هو الدافع الرئيسي للجذب، خاصة في العلاقات الإنسانية طويلة الأمد.
إن التوافق لا التضاد هو ما يصنع النجاح والاستمرارية في العلاقات، وقد تحدث شخصية الضد انجذاباً في بداية الأمر لكن انجذاب عابر وسطحي لا يحقق استقراراً، وقد يكون الضد استكمالاً للتوافق، حيث يكمل الطرفان بعضهما بعضاً متى كان هناك انفتاح عقلاني وفهم لتجربة الآخر.
إن إمكانية الانجذاب وبالتالي التفاعل على المستوى الإنساني بين الأضداد يبدو من الوجهة النفسية خرافة، حيث إن الروابط المشتركة في الحياة والعمل هي ما تحقق الاستمرارية في العلاقات ونجاحها، كما أن العمل على خلق صراع أو تضاد مبكر في ظل إدارة تعمل على تعميقه من أجل نجاحها سرعان ما يكشف عبر الوقت والممارسة أنه معيق للاستمرارية، ومقوض للنجاح.
ويعبر المبدع (صلاح جاهين) عن الأضداد من خلال كلام الليل والنهار فيقول، كلام الليل كده جميل زي الندى ييجي النهار ويروح ما يعود إلا صدى.








