عندما ارتدت مصر كلها أولادها وبناتها ورجالها وسيداتها ملابس الفراعنة، كانت هذه إشارة قوية لاعتزاز كل مصرى بتاريخه المجيد.. وكان افتتاح المتحف العالمى الكبير فرصة لتجديد السؤال: هل ما قدمه الفن المصرى من وحى تاريخنا الفرعونى بكل ما فيه يكفي، أم أننا لم نقدم سوى حجر صغير فى أهرامات كبيرة عن أحداث وشخصيات؟!
عندما بدأت أبحث للكتابة فى هذا الموضوع، أدهشنى أن الدراما اللبنانية بإخراج سورى قدمت «نفرتيتي» فى إطار مسلسل عن أهم الشخصيات النسائية فى التاريخ، من تأليف اللبنانية كلوديا مرشليان، وإخراج محمد زهير رجب.. بينما قدمت كارل سماحة شخصية «كليوباترا»، وإن كانت قد سبقتها سولاف فواخرجى عندما لعبت بطولة المسلسل الذى دار حول هذه الشخصية المثيرة، التى تناولتها الأفلام والمسلسلات العربية والعالمية أكثر من مرة ومن زوايا عديدة، لعل أبرزها «إليزابيث تيلور».
وقد حاولت السينما وبعض المسلسلات أن تلف وتدور حول التاريخ الفرعونى بقصص سرقة الآثار، وهى فى نهاية المطاف أعمال بوليسية لا علاقة لها بالأمجاد الفرعونية بطريقة مباشرة، وحتى عندما أقدم شريف عرفة كمخرج على ذلك فى فيلم «الكنز» كانت شخصية حتشبسوت واحدة من شخصيات أخرى عديدة، منها على الزيبق والملك فاروق وتحتمس الأول، ومن وحى قصة كتبها عبدالرحيم كمال جمع فيها بين المعاصر والتاريخى واحتاج عرفة أن يقدمها فى جزءين.
يأتى المبدع العبقرى شادى عبدالسلام على رأس من احتفلوا بالعصر الفرعوني، وإن كان فيلمه «المومياء» الذى أبهر العالم لا يتحدث عنهم بطريقة مباشرة، لأن قصته تدور حول سرقة الآثار، لكنه اختار الأماكن والشخصيات التى رسمها بريشته فى السيناريو لقطة لقطة بألوانها، وكان قبل رحيله يستعد لتحقيق حلمه الأكبر بفيلم «إخناتون» ولم يمهله القدر لذلك، وكان قد أعد له الكثير، كما استغرق سنوات وقبل تصوير «المومياء» وكل لقطة فيه تحتاج دراسة.
معدودة ومعروفة
عندما أرادت الدراما التليفزيونية فى إطار تقديمها لفكرة التوحيد التى بدأت عند الفراعنة، كتبت أمينة الصاوى هذا العمل الذى كان فريداً من نوعه، فلا يمكنك أن تصنفه بكونه من الأعمال الدينية فقط أو التاريخية، لكنه جمع بين الصفتين وحقق نجاحاً مذهلاً وقدم البطل أحمد ماهر كواحد من النجوم، وكان فى مستهل حياته الفنية.. هكذا كانت شجاعة المخرج ممدوح مراد الذى خرج بهذا المسلسل بعيداً عن الإطار التقليدى لتناول المسلسل الديني، ولمعت إيمان الطوخى أيضا فى العمل الذى يرجع تاريخه إلى عام 1987، وكانت إيمان هى «نفرتيتي»، وجمع المسلسل أحمد بدير ونبيل الحلفاوى وعبدالله غيث وفؤاد أحمد، ورغم قلة الإمكانات مقارنة بما هى عليه حالياً من ميزانيات خرافية، إلا أنه انفرد كعمل فنى متميز غاص فى التاريخ المصري، وكيف كانت بلادنا الغالية توحد الواحد الأحد قبل نزول الديانات السماوية لكنه فطرة الله التى أنعم بها علينا، لنكون بها بلاد التسامح والمحبة والاعتدال دون غيرنا.
أزمات.. ولكن
قد يتعرض العمل لأزمة تطيح به قبل أن يظهر.. وأتحدث هنا عن مسلسل «الملك» المعروف بأحمس، وكانت لحية بطله عمرو يوسف سبباً فى حرماننا من عمل كان واضحاً فيه الكثير من الجهد كما رأينا فى البرومو وفكرة إعادة النظر فى المشروع ومعالجة الأخطاء وهذا ما أقر واعترف به عمرو يوسف فى لقاء تليفزيونى ونحن نطالب بذلك لأن «البرومو» كان مبشراً، وأحمس شخصية مصرية فيها بطولة عظيمة وحقبة يمكن الوقوف أمامها بكل تقدير، ولعلها فرصة لكى نجدد الدعوة بإعادة النظر فيما تم تصويره أو ما تبقى من مشاهد لكى يخرج إلى النور، وحفاظاً على ما جرى إنفاقه من مال وجهد وأحلام تبددت كلها، لكن مسألة أن العمل خيالى بحت، فيها كلام.. لأن رواية نجيب محفوظ «كفاح طيبة» المأخوذ عنها المسلسل ، هى مستوحاة من التاريخ الفرعونى المتعارف عليه وأغلبه كان مدوناً على جدران المعابد، والخيال هنا فى معالجة القصة وأسلوب صياغتها لكن الشخصيات والأحداث الرئيسية ليست من اختراع محفوظ حتى يقال إن العمل خيالي، وإن كان الأمر كذلك لا تقل إن البطل هو «أحمس»، لكن قل «حسب الله» مثلاً.
حكاية العلايلى
هذه أزمة أخرى لكنها وقعت بعد عرض المسلسل، لأن موضة «البرومو» لم تكن قد تفشت وظهرت بعد فى هذا التوقيت سنة 2000، فقد ظهر العلايلى فى المسلسل الفرعونى بشاربه، الذى اختصر منه الكثير ليصبح «دوجلاس» أى رفيع ويكون مجرد خيط بين الأنف والفم والعمل الذى كتب له السيناريو محمد الغيطى مأخوذ أيضا عن قصة لنجيب محفوظ بعنوان «عبث الأقدار» ولكنهم استبعدوا «العبث» منعاً لوجع الدماغ واكتفوا بالأقدار فقط، والمسلسل أخرجه خالد بهجت، وكان شارب العلايلى أكثر جدلاً من المسلسل كله وما فيه وما عليه، وكان يدور حول بناء الأهرامات وكتب أن العمال لم يتعرضوا للقهر أو السخرة، وشارك فى البطولة سمية الألفى ومحمود عبدالغفار وخالد النبوى وإيمان وكمال أبورية ورياض الخولى مع سوسن بدر.
كانت تجربة فريدة رغم كل شيء، وقدم لنا المخرج على رضا فيلمه الاستعراضى «غرام فى الكرنك» مستثمراً الأماكن الأثرية وقد تناولها بمعلمة وفى إطار صورة غنية وبديعة وبالألوان، وجرى تحميضه داخل مصر وكان سباقاً، ورضا أحد أضلاع فرقة رضا التى لعبت بطولة الفيلم وعلى رأسها الفنان محمود شقيقه وزوجة المخرج على رضا والفنانة فريدة فهمي.
وقد رأينا الآثار أيضا تظهر كخلفية من فيلم «صراع فى الوادي» وهو أمر جائز، لكن تقديم كنوزنا لتكون هى محور الأحداث وليس مجرد خلفية هذا ما نأمله، ومن يذهب إلى المتحف الكبير سيجد نفسه أمام عشرات القصص والحكايات، فكل حجر وكل تمثال وكل قطعة نادرة خلف منها قصة، من أجمل أن نراها أمامنا تتحرك وتتكلم وتقول وتعيش بالفيلم والمسلسل أطول مما عاشت.. فهل يحدث هذا قريباً؟!.. نأمل ونتنمى وننتظر.
