نحن فى حضرة السينما الساحرة التى تجمعنا وتوحدنا، وتوثق مشاهد لا ينساها التاريخ»، هكذا قال وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو وهو يعلن افتتاح الدورة رقم 46 من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، أما رئيس المهرجان حسين فهمى فقال «إن مصر بلد الفن والثقافة والسينما، ونحن نعيد صياغة الحاضر بمجهودات أولادنا»، ويمضى مؤكداً على دعم مصر للأشقاء فى السودان ولبنان وتمسكها بالقضية الفلسطينية، وافتتاح المتحف المصرى الكبير قبل أن ينهى كلمته بالتالى «نحن نبدأ عصراً جديداً من الإبداع والإنجاز، فالسينما جزء من مشروعنا الوطنى». وهى كلمة تعنى الكثير بالنسبة لدعم الدولة للسينما، فهل ستعمل الدولة على إنجاز أفلام عن قضايانا الوطنية كل عام؟ وهل ستعيد الدولة النظر فى تصاريح تصوير الأفلام فى الأماكن العامة وكلفتها الكبيرة؟ وهل ستدعم الدولة مشروعات الكتاب والمخرجين المهمين الذين لا يجدون من ينتجها؟ وهل ستعيد الدولة فتح دور العرض التى أغلقت فى محافظات مصر، وفى القاهرة نفسها؟ وأسئلة أخرى تعبر عن جملة أن السينما جزء من مشروعنا الوطني، خاصة بعد التاريخ الطويل للسينما المصرية فى حياتنا «120 عاماً»، والنجاح الكبير لها فى كل المنطقة العربية باعترافات فنانين كبار أنهم تربوا على مشاهدة الأفلام المصرية، ومن هنا جاءت أهمية ما قدمه المهرجان هذا العام من خلال أمور عديدة هى التكريمات، ثم الترميمات، والبرامج الخاصة.
من القاهرة 30 إلى الزوجة التانية
فى دعمه للسينما المصرية بكل أزمانها، قدم المهرجان أربعة أفلام ضمن مسابقة الفيلم القصير لأربعة من المخرجين الجدد هم مارك أيمن وفيلمه «قمع» وأمير يوسف وفيلم «إيمان» وأبانوب نبيل وفيلم «اللى ما يتسماش» وعبدالوهاب شوقى وفيلمه الذى انتظره كثيرون «آخر المعجزات»، وفى مسابقة آفاق السينما العربية عرض فيلمان الأول هو الفيلم الروائى الطويل الأول للمخرج ياسر الشفيعى وعنوانه «شكوى رقم ٧١٣٣١٧» والثانى هو «بنات الباشا» للمخرج محمد العدل وكلاهما حصل على اهتمام وإقبال كبير لتقديمهما قصصاً من الواقع المصري، أما فى المسابقة الدولية للأفلام الطويلة فنجد فيلماً مهماً عن فلسطين هو «ضايل عنا عرض» لمخرجة مصرية هى مى سعد ومخرج فلسطينى هو أحمد الدنف وفى برنامج باسم «بانوراما مصرية» أضاف المهرجان ستة أفلام قصيرة للمخرجين والمخرجات من صناع السينما المصرية الجديدة وهم عمرو على وفيلم «رابح سمير أبو الوفا» وعمرو عابد وفيلم «صف تانى» وزينة عمرو دسوقى وفيلم «تانى يوم» وحسن نوبى وفيلم «قفلة» وسلمى الشرنوبى وفيلم «أكشن»، أما الأهم فهو تقديم الأفلام المصرية المهمة بعد ترميمها ضمن برنامج مهم جداً بعنوان «الكلاسيكيات المرممة» رأينا من خلاله 21 فيلماً من روائع الأفلام مثل الزوجة الثانية والقاهرة 30 لصلاح أبو سيف، وقصر الشوق وبين القصرين لحسن الإمام، وغروب وشروق والرجل الذى فقط ظله لكمال الشيخ، وشىء من الخوف، والمستحيل لحسين كمال ولحسام الدين مصطفى أربعة أفلام هى: السمان والخريف وجريمة فى الحى الهادئ والشحات والطريق، وفيلم لكل من عاطف سالم؛ خان الخليلى، وسعيد مرزوق زوجتى والكلب، وعز الدين ذو الفقار امرأة فى الطريق، ولفطين عبدالوهاب فيلم مراتى مدير عام ولأشرف فهمي؛ ليل وقضبان، ولكمال عطية: قنديل أم هاشم، وليوسف شاهين فيلم: الناس والنيل، والسراب؛ لأنور الشاذلي، أما هنرى بركات ففيلمه المرمم هو: الحرام ـ مجموعة عظيمة من الأفلام من بين عدد يصل إلى 1300 فيلم فى قائمة الانتظار للترميم، ليؤكد المهرجان أن أفلام السينما ليست مجرد أفلام للعرض، بل تاريخ وذاكرة بلد ومجتمع علينا الحفاظ عليها حتى لا تضيع، وفى ندوة عن الترميم قال رئيس المهرجان إن «المشروع بدأ العام الماضى بترميم عشرة أفلام، واستكمل هذا العام، والترميم ليس تجميلاً، فنحن لا نعيد صياغة الفيلم، بل نعيده كما كان، هذه مسئولية أخلاقية تجاه من صنعوا مجد السينما المصرية».
تكريمات.. واعترافات
جاءت تكريمات المهرجان هذا العام تليق به، فالاختيار بين صناع السينما أمر شديد الأهمية وهو ما أدركه الكثيرون من محبى السينما من كافة الاتجاهات، فمن اسم أسطورى فى تقديم الكوميديا من خلال السينما هو المخرج الكبير محمد عبدالعزيز، الذى لم يتخلى عن تعليم أجيال جديدة من خلال معهد السينما بعد سنوات طويلة من العمل الفنى قدم خلالها 67 فيلماً طويلاً، و20 مسلسلاً بالإضافة إلى ثلاثة مسرحيات وبعد رحلة طويلة استطاع تحقيق حلمه من خلالها بالانطلاق إلى عالم الفن، ثم المواجهة التى خاضها مع زملائه من خريجى معهد السينما لإثبات وجودهم وحقهم فى العمل بالفن بعد أن وجدوا نوعاً من التعامل معهم بسخرية وعدم الترحيب بهم من قبل الأجيال السابقة، ومع هذا بدأ الخريج الجديد عمله بمحبة واجتهاد ليصبح بعدها مخرج الأعمال الكوميدية التى تتجاوز قصصها الخارجية إلى التفاصيل الأكثر عمقاً لحياة أبطالها، أما مدير التصوير السينمائى الكبير محمود عبدالسميع، فقد قدم رؤيته عن أهمية الصورة فى الفيلم، بداية من الفيلم التسجيلى والوثائقى الذى بدأ به حياته المهنية، وكيف رأى التصوير بشكل مختلف ومرتبط بالموضوع والأحداث، ونوع الفيلم، والشكل الدرامى ولهذا اهتمّ كثيراً بالمكان فى أى عمل قدمه «لأن المكان عنصر رئيسى فى أى عمل مع الإضاءة التى تفرق كثيراً بين شروق الشمس وبين آخر النهار وما بينهما وأن الواقع هو أكبر مدرسة يتعلم منها الفنان والفيلم هو ما يملى على طريقة التصوير».
قدمت «باب الشمس» لإكرام جدى
أما الفنانة الفلسطينية الكبيرة «هيام عباس» الكاتبة والمخرجة والممثلة، فهى واحدة من أهم الفنانين العرب فى العالم بعد سنوات طويلة قضتها فى البحث عما تريد إنجازه حقيقة منذ اكتشفت سحر التمثيل من خلال مسرح المدرسة فى إحدى القرى الفلسطينية ولتكتشف التأثر الكبير لدى من حضروا العرض، وبعدها عرفت السينما أيضاً من خلال دور صغير لفيلم للمخرج الفلسطينى الرائد ميشيل خليفى «ويومها اكتشفت علاقتى الخاصة بالكاميرا وأن لدى الكثير مما أريد قوله كممثلة»، وبعدها بدأت رحلتها إلى أوروبا بعيداً عن القيود السياسية والاجتماعية الخانقة فى ظل الاحتلال، ثم تذهب إلى باريس وتبدأ فى تعلم الفرنسية وتتعدد أدوارها، ونجاحاتها، لكنها لا تنسى أصلها «أنا فلسطينية وعربية لا يمكننى نسيان ذلك» مؤكدة أنها تختار أدوارها بناء على قيمة القصة وما تطرحه، وأن فيلمها مع المخرج يسرى نصر الله كان محطة خاصة فى مسيرتها. «فيلم باب الشمس كان واجباً علينا ويروى مسيرتنا،ونكبة 1948 وعندما قدمته شعرت أننى أكرم جدى الذى خسر ابنه وبيته» أما المخرجة والكاتبة المجرية الكبيرة «الديكو إنيدى» فقد ذهبت للسينما من باب الفلسفة والاقتصاد وليس الفن «لم أختار السينما من البداية بل هى التى ألهمتنى منذ الطفولة والمراهقة، وبعدها اقتربت من المشهد الفني، وأيضاً تعتبر السينما ترجمة للجانب الخفى والمختبئ فى الإنسان، وتؤكد على أن العمل السينمائى مغامرة، حتى اختيار الممثلين مغامرة تستحق الاهتمام ليصل العمل إلى الجمهور كما يريد المخرج» وعن كيفية تعاملها مع ممثليها الذين يقدمون للجمهور رؤيتها وأفكارها تقول «الهواة لديهم صدق لكنهم يحتاجون تدريباً، وصبراً، أما المحترفون فهم لا يمنحونك الطاقة إذا لم تدهشهم، أبدأ بالبروفات وأخلق بيئة آمنة لأن الإبداع لا ينمو وسط الخوف»، وقد حصلوا جميعاً على جائزة الهرم الذهبى لإنجاز العمر، بينما حصل المكرم الخامس، الممثل الكبير خالد النبوى على جائزة فاتن حمامة للتميز، ورحلته مع الفن نعرفها جيداً من خلال ما رأيناه عبر الشاشات الكبيرة والصغيرة من أفلام ومسلسلات مهمة، وتقدم قضايا مميزة، وهو يعترف أنه وهو طالب فى معهد السينما حين حصل على دور فى فيلم «المواطن مصرى» تعرف على الكاتب الكبير يوسف القعيد، صاحب قصة الفيلم، وطلب منه أن يصحبه إلى اجتماع شلة الحرافيش ليرى الأستاذ نجيب محفوظ، وهكذا يقدم النبوى صورة مهمة لنفسه ولبداياته وللقيم التى اختارها «أنا ابن مجتمعى، ابن نجيب محفوظ وسيد حجاب والأبنودى وبهاء طاهر، وابن هيكل ومحمود عوض، وابن نور الشريف ومحمود ياسين ومحمود عبدالعزيز وأحمد ذكى ويوسف شاهين» لينطلق بعدها فى حوار طويل معبراً عن شخصية تدرك جيداً موقعها ومجتمعها «والدى هو أول بطل انبهرت به فى حياتى، كان من مصابى العمليات الحربية عام 1970 وتعلمت منه الصبر والانتماء والعزيمة، كما أننى لم أدخل الفن بحثاً عن شهرة أو مال، بل لأترك أثراً خالداً مثل أم كلثوم ونجيب الريحانى وغيرهم من الأسماء المؤثرة التى تركت بصمة» وفى حواره مع خالد محمود وسهير عبدالحميد فى صحيفة المهرجان يكشف خالد النبوى عن وعى وثقافة أصيلة واحترام كبير للقيمة والحضارة الإنسانية والمصرية وهو ما عبر عنه فى كلمته ساعة التكريم «كن مختلفاً ولو كنت وحيداً، وعلى الجيل الجديد من الفنانين العمل دون الانتظار للتقدير، ولابد أن أتوقف عند أعظم حواديت اليوم التى يكتبها الإنسان الفلسطينى الذى يثبت أنه على هذه الأرض من يستحق الحياة فعاشت مصر وفلسطين».









