أذهلت الموسيقى الشعبية المصرية القديمة الجميع على مر العصور حتى أن علماء الحملة الفرنسية فى شرحهم لها قالوا إنها تحتوى على نوع من حرية التعبير الذى يتواشح مع «تروجن» الحضور المشارك والمستمع. ذلك الحضور المتحرر والذى ابهر ذات يوم العديد من علماء الموسيقى الفرنسيين الذين أوفدهم نابليون بونابرت إلى مصر واحتاروا فى كيفية تدوين الموسيقى الشعبية المصرية حيث اعتبروها موسيقى غير خاضعة للسلالم والقوالب اللحنية. إلا أنهم وبعد جهد جهيد اكتشفوا إمكانية تدوين تلك الموسيقى لكنهم اعترفوا أيضاً فيما كتبوه فى موسوعة «وصف مصر» بأن العازف والمؤدى فى الموسيقى الشرقية يتمتع بقدر كبير من الحرية المقرونة بالتذوق وثقافة الاستماع المؤصلة فى ذاكرة التاريخ. وتعتبر الموسيقى المصرية جزءاً لا يتجزأ من الثقافة المصرية منذ العصور القديمة حيث أعطى المصريون القدماء الفضل للآلهة «تجون» فى اختراع الموسيقى التى يستخدمها أوزوريس بدوره كجزء من جهوده الرامية إلى تحضر العالم. هذا وقد استخدم المصريون القدماء من الموسيقيين العديد من الالات الموسيقية من الآت وترية مثل القيثارة الجنك. وادوات النفخ مثل الناى والمزمار والأرغون والإيقاع بكافة أنواعه والمصفيات النحاسية والعاجية. هذا وقد شكلت فرق كاملة للموسيقين او الراقصين شاركت فى الحفلات والأعياد بآلاتها وملابسها المميزة. وكان الرقص المصرى القديم رقيقاً منسقاً وذا تعبير مع اختلاف أنواعه طبقاً للمناسبة المختلفة، وكثيراً ما استخدمت موسيقى الرقص الصنج النحاس والقيثارات والمزامير والكلارينت الصكوك والأعواد وكان السلم الموسيقى يتكون من خمسة. اما الموسيقى فى العهد القديم فقد كانت لغزاً من الغاز الحضارة المصرية القديمة، أما موسيقى الكنيسة القبطية فهى البوابة الوحيدة لمعرفة موسيقى مصر القديمة. وتذكر الكتب القديمة التى تتحدث عن الحضارة المصرية أن «شامبليون» لم يستطع تأويل لغة مصر القديمة إلا بعد دراسته اللغة القبطية حينما ثبت له أن الأقباط هم السلالات الممتدة لشعب مصر القديم. وقد اقتصرت الكنائس القبطية بمصر على تلاوة التراتيل والالحان الدينية التى كانت سائدة فى المعابد المصرية القديمة وظلت ترتل باللغة القبطية. ولذلك احتفظت الكنيسة القبطية بالكثير من تراث الاجداد وخاصة الالحان المصرية القدية وحفظتها من الزوال. وظلت الموسيقى القبطية تحتوى على حركة واحدة ويستمر الغناء عليها لمدة عشر دقائق تقريباً ويكون الترنيم بكلمة واحدة هى «هللوبا». وتعتبر الكنيسة القبطية من أغنى كنائس العالم إن لم تكن أغناها فى فنها الموسيقي، ولكن الحقيقة التاريخية التى لا تدع مجالاً للجدل هى أصالة الالحان والالات الموسيقية القبطية والتى تعود أصولها إلى العهد المبكر من عصر الاسر المصرية القديمة فهى الأقدم والأعرق بين كنائس العالم المسيحي. وقد دخلت الموسيقى المصرية فى عالم شفاء المرضى بحلول المسيحية فى أرض مصر فزادت تراتيل مزامير داوود فى الكنائس والأديرة بدرجة كبيرة فى مختلف مناطق مصر وهى الاماكن التى لجأ إليها المسيح والعذراء أثناء رحلتهم المقدسة فى مصر، حيث بنيت عليها أمان للعبادة وذلك فى مواقيت سنوية محددة عرفت باسم الموالد القبطية وخلالها كان القساوسة يقومون بالصلاة والترتيل بمصاحبة الموسيقى لعلاج المرضى.
وهكذا تظل مصرها الرائدة فى جميع المجالات والفنون والعلوم.









