أتابع بشغف كبير برنامج دولة التلاوة.. بإشراف وزير الأوقاف فضيلة الدكتور أسامة الازهرى والشركة المتحدة.. وهى النسخة الأحدث والأجمل فى المسابقات القرآنية العالمية.. أنا مع أهل القرآن فى كل زمان ومكان مستمعا وقارئا ومستمتعا وداعما لكل آيات وصور الجمال والجلال والحب وفيوضات الأنوار التى تغمر النفوس والأرواح وتجلل القلوب ويرجف لها الوجدان وتتسامى معها الأنفس إلى عليين فوق سحائب من نور تخترق الحجب تظللها هالات من الخشوع والخشية لله..
أجمل ما فى البرنامج الجديد أنه يبث على الهواء ويمنح مساحة واسعة رائعة من الاستماع لقراء كرام مهرة بررة خاصة من الأطفال الصغار.. قراء ينتمون بصدق إلى المدرسة المصرية فى التلاوة المتفردة دائما بما لا تستطيعه غيرها من مدارس شرقا وغربا.. لعل أهم وأكبر ميزة أن القارئ فيها يجعلك تعيش مع القرآن الحى وكأنه من لحم ودم مشاعر وأحاسيس ينقلك مع آيات النعيم إلى الجنة وكل ما فيها وما لا يخطر على قلب بشر.. وفى الآيات المقابلة عن العذاب والجحيم تعيش بكل دقة تلك الأهوال وما يواجه المرء المشرك أو الكافر بأنعم الله من ويلات وعذابات يوم يجعل الولدان شيبا.. القارئ يجعلك وأن تستمتع تتحسس مقامك ومنزلك فى النعيم أو الجحيم والعياذ بالله..
التفسير الوحيد لحالة الاعجاب الشديد والانبهار بالقراء والدهشة التى تعترى البعض وحالات الانفعال بل والانسجام والاندماج مع آيات القرآن الكريم هو أن ما يحدث ترجمة حقيقية لوجه مهم جداً من أوجه الاعجاز القرآنى اختصها الله بكتابه العزيز منذ اللحظات الأولى للوحى وبداية الرسالة الخاتمة لوحى السماء..
الوجه الاعجازى هو فى الاستماع وإذا لم يكن للبرنامج من حسنة إلا تحقيق هدف الاستماع وهو هادف شرعى سام فيكفيه.. فالمطلوب أن يستمع الناس إلى القرآن مؤمنهم وكافرهم وأن تؤدى القراءة إلى أن تلامس المعانى والحروف القلوب وتحرك العقول وتهز المشاعر والوجدان.. وهو ما حدث وتعالت صيحات الانبهار والدهشة واغرورقت الأعين بالدموع واشرقت الأرواح طربا بنور ربها..
من بديع الاعجاز فى قضية الاستماع للقرآن الكريم تلك المفارقة التى رسمتها آيات القرآن لتؤكد أهمية وتأثير الاستماع للقرآن فى بناء شخصية المؤمن والارتقاء بها.. وبيان خطورة عدم الاستماع والاعراض عن القرآن الكريم.. يقول الله تعالي: «وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (الأعراف: 204).
فى المقابل: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ» (فصلت: 26).
هذه المفارقة تنبه إليها مبكراً مشركو وكفار مكة وملاحدة آخر الزمان.. وهم أشد خبثاً ومكراً فى محاولاتهم إحداث فجوة بل قطيعة بين الناس صغاراً وكباراً مع القرآن.. وكانوا يحذرون ويخشون التأثير العظيم والفورى لمجرد سماع آيات القرآن.
لقد أودع الله فى القرآن قوة تأثير تجذب الأسماع والقلوب فتؤثر على العقول والأرواح والنفوس والجوارح.. نقل الزركشي: عن الخطابي: وقلت فى إعجاز القرآن وجهًا آخر ذهب عنه الناس وهو: صنيعه بالقلوب وتأثيره فى النفوس فإنك لا تسمع كلامًا غير القرآن منظومًا ولا منثوراً إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة فى حال ومن الروعة والمهابة فى حال أخرى ما يخلص منه إليه، قال الله تعالي: «لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّه» (الحشر: 21)، وقال تعالي: «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ» (الزمر: 23).
وقال القاضى عياض وهو يعدد وجوه إعجاز القرآن: «ومنها: الروعةُ التى تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم عند سماعه والهيبة التى تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله وإنافة خطره وهى على المكذبين به أعظم، حتى كانوا يستثقلون سماعه «وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا» (الإسراء: 41)، كما قال تعالي، ويودون انقطاعه لكراهتهم له.. وأما المؤمن فلا تزال روعته به، وهيبته إياه مع تلاوته توليه انجذاباً وتكسبه هشاشة لميل قلبه إليه، وتصديقه به..
اسمعوا واستمتعوا عسى ربكم أن يرحمكم..
والله المستعان..









