الترجمة من العبرية إلى العربية من أهم آليات بناء الصورة الذهنية عن «نصر أكتوبر» و»هزيمة كيبور» ومن المهم هنا تطبيق منهج «وشهد شاهد من أهلها» حيث سنستعرض اعترافات مترجمة لكتاب «جولدا مائير» رأس النظام السياسى بالكيان، والقائد الأعلى لجيش الدفاع، بهدف بناء الفكر وتحصين الوعي، حفاظا على الصورة الذهنية لـ»نصر أكتوبر» و»هزيمة كيبور» لدى الرأى العام الوطنى والعالمي، وهذا المُؤَلف أو الكتاب «اعترافات جولدا مائير» مُصَنف أدبيا وصحفيا ضمن مؤلفات الشهادات والسيرة الذاتية، فضمير المتكلم على امتداد متن الكتاب يعود لمؤلفته وصاحبة الشهادات والسيرة الذاتية، وهى «جولدا مائير» التى نشرت اعترافاتها عقب هزيمة كيبور ليكون وثيقة تاريخية وسياسية وربما عسكرية أمام الرأى العام عن فترة مهمة من تاريخ القضية الفلسطينية هى سبعة وسبعين عاما منذ ولادة جولدا وقبيل وفاتها بثلاث سنوات- الزمن السردى للكتاب- وصدر 1975 بالانجليزية عن دار النشر «وايدنفيلد ونيكلسون» وفى ذات العام تمت ترجمته- الأولي- بواسطة «عزيز عزمي» وصدر عن مؤسسة دار التعاون، وتلته إصدارات للكتاب باللغة الألمانية 1978 وأيضا ترجمات عديدة لهذا الكتاب وبالأخص عن مراكز للترجمات وغيرها للدراسات إستراتيجية بفلسطين «المحتلة» وعن دور نشر عديدة فى بيروت وغيرها تحت عنوان «حياتي».
وهو كتاب له من الأهمية المطلقة إذ يُعد اعترافا موثقا لرئيسة وزراء الكيان باللغات الرئيسة والمُهمة والناقلة للثقافات المؤثرة فى العالم، والذى يأتى صدوره عقب هزيمة كيبور مباشرة، على لسان المرأة التى كانت ترى فى نفسها كأول سيدة تتولى رئاسة مجلس وزراء الكيان، وتخلف- ليس مباشرة- أستاذها الأكبر «بن جوريون» وبعده جاء موشيه شاريت، وعقب وفاة رئيس الوزراء ليفى أشكول فى فبراير 1969، فكانت جولدا مائير رابع رئيس وزراء لحكومة الكيان بين 1969 حتى 1974 وهى المرأة الوحيدة التى تولت هذا المنصب لحكومة تآلف خاصة بعد هزيمة حرب كيبور، وانتصار المصريين فى 6 أكتوبر 1973 والتى كانت من نتائجها المباشرة أن تقدمت جولدا مائير باستقالتها وخلفها إسحاق رابين.
وُلدت جولدا فى 3 مايو 1898 وكان اسمها «جولدا موشى اسحق مابوفيتش» في»كييف» بأوكرانيا، وهاجرت مع عائلتها إلي»ميلواكي» بولاية ويسكونسن الأمريكية 1906 وتخرجت فى كلّية المعلمين، وعملت بالتدريس، وفي1915 انضمّت إلى منظمة العمل الصهيونية، وفي1921 كانت هجرتها الثانية بعد أمريكا من موطنها «كييف» إلى فلسطين، وتعترف أنها دخلت فلسطين العربية بتأشيرة فلسطينية وحملت جواز سفر فلسطيني، وأقامت بفلسطين العربية برفقة زوجها «موريس مايرسون» الذى مات 1951، وهنا قررت جولدا تبنى اسم عبرى كنصحية من ديفيد بن جوريون- وليس روسى كاسم والدها الأصلي- فترجمت اسم زوجها إلى العبرية (يعنى اسم مايرسون «ابن مائير» باللغة الييديشية وهى اللغة التى يتواصل بها معا يهود أوروبا المغالين وهى تختلف نوعا فى ابجاديتها عن تلك اللغة العبرية التى يتحدث بها يهود الشرق التى اصبحت فيما بعد لغة الكيان الرسمية ولغة التعبد، وقررت جولدا مائير اختصاره) ولقبت نفسها جولدا مائير، ثم انتقلت جولدا إلى تل أبيب 1924 وعملت بمهن مختلفة ما بين اتّحاد التجارة، ومكتب الخدمة المدنية، وتقدمت للانتخابات العامة كعضو بالكنيست 1949 ثم كوزيرة للعمل (1949- 1956) فوزيرة للخارجية (1956- 1966) وزعيمة للأغلبية، وتوفيت 8 ديسمبر 1978 ودفنت فى مدينة القدس.
ومن خلال اعتراف جولدا مائير التى رأت فى نفسها بطلة يهودية قومية، ما لبثت أن خسرت كل شيء عقب هزيمة كيبور وانتصار المصريين، ومن خلال دفتى هذا كتاب اعترافاتها، تأتى الردود المباشرة والصريحة والتى لاتقبل التأويل أو التشكيك على لسـان رئيســة وزراء الكيـان الوظـيفــي- كما أسماه الشهيد جمال حمدان- وهو كتاب يواجه بكل جلاء أباطيل من جاءوا بعدها إذ يكذبون ويتبجحون فى وقاحة انهم أصحاب النصر أو على استحياء أن المعركة لم تُحسم وكانت متعادلة للطرفين، هذه الاعترافات يجب أن تحتويها المكتبات وتتداولها بالحكى المباشر(فقط!) ودون عناء التفسير وجهد التحليل البيوت والأسر المصرية والعربية لأنه يتضمن اعترافات مكتوبة موثقة لجولدا مائير حول هزيمة كيبور ونصر أكتوبر.
وجاء كتاب الاعترافات فى 396 صفحة، ومن خمسة عشر فصلا، وفهرسه: طفولتي- مراهقة سياسية- اننى أختار فلسطين- بداية حياة جديدة- رواد ومشاكل- نحن سنحارب هتلر- الكفاح ضد البريطانيين- لدينا دولتنا- وزيرة موسكو- الحق فى الوجود- صداقات أفريقية وغيرها- نحن بمفردنا- رئيسة الوزراء- الهزيمة- نهاية الطريق.
وتكفى بداية الاعترافات- هنا- أن تقول جولدا مائير: «سأظل أعيش بقية حياتى بحلم أكتوبر المفزع».. «ليس أشق على نفسى من الكتابة عن حرب أكتوبر».









