احتفلت سلطنة عمان الخميس الماضى 20 نوفمبر بيومها الوطنى فى موعده الجديد، وهو اليوم الذى يمثل بداية حكم اسرة آل بوسعيد عام 1744م بقيادة الامام أحمد بن سعيد البوسعيدى الذى حرر البلاد من الغزو الفارسي. فلقد كانت السلطنة من قبل تحتفل بيومها الوطنى فى 18 نوفمبر من كل عام، وهو ذكرى ميلاد السلطان الراحل قابوس بن سعيد البوسعيدي، الذى قاد مسيرة النهضة والرخاء من عام 1970 حتى وفاته عام 2020، ليكون صاحب اطول فترة حكم فى الشرق الاوسط.
تعد سلطنة عمان ثالث أكبر دولة من حيث المساحة فى شبه الجزيرة العربية بعد السعودية واليمن، وتملك تاريخاً عريقاً يمتد لآلاف السنين، وسواحلها الطويلة التى تتجاوز ثلاثة آلاف كيلومتر من مضيق هرمز حتى سواحل اليمن جعلت موقعها إستراتيجيا مطمعا للغزاة عبر العصور. وقد دخل أهلها الاسلام مبكراً حين بعث الرسول عليه الصلاة والسلام عمرو بن العاص إلى أبناء الجلندى حكام عمان عام 630م، ليصبحوا من أوائل الشعوب التى اعتنقت الاسلام طوعاً. وتميزت السلطنة منذ القدم بأنها مركز بحرى وتجارى مهم، واشتهرت بوفرة النحاس حتى أطلق عليها اسم بلاد مجان أى أرض النحاس. ولقد تعرضت عمان للاستعمار البرتغالى أكثر من مرة، أولها من عام 1507 حتى 1624م، قبل أن ينتصر عليهم الاباضيون ويؤسسوا الامبراطورية العمانية التى امتدت لتشمل عمان والامارات وجزءا من بلاد فارس وأجزاء من شرق أفريقيا.
ثم تكررت الحروب والنزاعات حتى جاء الإمام أحمد بن سعيد الازدى عام 1744م فوحد البلاد وانهى الانقسامات وارسى دعائم الاستقرار. وفى عام 1967 تم اكتشاف النفط، وجاء بعده السلطان قابوس ليقود البلاد إلى نهضة شاملة عنوانها الأمن والازدهار والتقدم.
لقد تعلم العمانيون من تاريخهم الطويل دروسا ثمينة، فاصبحوا من أكثر الشعوب وعياً وسلاماً. فهم شعب طيب كريم، يتعامل بالمودة والصفاء مع القريب والبعيد، وقيادته على الدوام تتسم بالحكمة والاتزان والاعتدال.
العمانيون يعملون فى صمت واخلاص، لا يلهثون وراء الاضواء، بل يبنون وطنهم بثبات وصدق. ويبلغ عدد سكان السلطنة نحو ثلاثة ملايين نسمة، يعمل معهم قرابة مليونى وافد يعيشون فى بيئة يسودها الاحترام المتبادل دون تفرقة أو شكوي. ولا يكاد يوجد عمانى مهاجر خارج بلاده، إذ يتمسك العمانى بأرضه ويفتخر بانتمائه إليها. وتتنوع المذاهب الاسلامية فى السلطنة بين السنة والاباضية وقلة من الشيعة، فى إطار من التسامح والتعايش. وتصنف سلطنة عمان اليوم ضمن الدول ذات الدخل المرتفع، وتحتل المرتبة التاسعة والخمسين عالميا فى مؤشر السلام العالمي. الحياة فيها هادئة، الخدمات متطورة، والعمران متناسق بلا مبالغة أو تكدس، فى مشهد يجسد المعنى الحقيقى للنظام والنقاء.
لقد أثبتت سلطنة عمان عبر تاريخها أن الحكمة يمكن أن تكون سلاحا أمضى من القوة، وأن النقاء والاتزان يمكن أن يصنعا حضارة راسخة فى محيط متقلبومما لاشك فيه أن موقف القيادة العمانية المتزن من الأحداث المؤسفة فى الشرق الأوسط يجعلها أقرب ما يكون من التوجهات العادلة الحكبمة للقيادة المصرية.. ومن هنا، فإن تعزيز التعاون بين مصر وعمان حكومة وشعبا ليس مجرد خيار دبلوماسي، بل ضرورة إستراتيجية وإنسانية. فكلا البلدين يمتلكان ارثا حضاريا عميقا ورؤية متزنة للعالم، ويجمع بينهما تاريخ من الاحترام والثقة المتبادلة. ان استثمار حكمة القيادة العمانية ونقاء شعبها يمكن أن يفتح آفاقا جديدة للمشاركة الفاعلة بين البلدين فى مجالات الاقتصاد والثقافة والتعليم والسياحة، ليبقى شعار المرحلة القادمة: مصر وعمان.. اخوة يجمعهما الحكمة والسلام.









