منذ عدة أشهر كنت جالسة فى أحد المؤتمرات الخاصة بالاستثمار العقارى لبحث الآليات التى تقدمها الدولة للتوسع فى البناء الأخضر وكان أحد المتحدثين واحداً من كبار المسئولين بوزارة الإسكان وحال حديثه عما تعتزم الوزارة تقديمه من حوافز استثمارية وتشجيعية ذكر أن هناك مقترحاً مازال قيد الدراسة وأعاد جملته موجهاً حديثه للصحفيين قائلاً «أنا أقول مقترحاً وبأكد عليكم حتى لا يتم تحريف الكلام».
كلمة تحريف أصابتنى بإستياء شديد شعرت معه بالإهانة وهو الشعور الذى ازداد أثناء الاستراحة التى تخللت الجلسات حيث كان المسئول واقفاً للإدلاء بتصريحات صحفية وسأله أحد المستثمرين عن أمر ما فأخذه جانباً وهو يردد عبارته «لا أريد الحديث أمام الصحفيين».
حالة الاستياء من حديث المسئول ظلت تسيطر على حتى كان اللقاء معه فى المؤتمر الذى أطلقته وزارة الإسكان للإعلان عما تم إقراره من حوافز ضمن الإستراتيجية الوطنية للعمران الأخضر والمستدام وعاتبته عما ذكره فى المؤتمر السابق وأن الصحفى الحقيقى لا يمكنه تحريف تصريحات المسئولين لكن فى ذات الوقت نحن كصحفيين غير مسئولين عن هؤلاء الذين ينتمون إلى مواقع إلكترونية ما أنزل الله بها من سلطان فكان سؤاله رداً على ما ذكرت من أين لى التفرقة بين الاثنين لأجد نفسى عاجزة عن تقديم إجابة واكتفيت بذكر أن الصحفيين هم فقط الذين سيجدهم فى المؤتمرات الرسمية التى تطلقها الوزارات والهيئات الحكومية.
كلام المسئول ظل يتردد فى عقلى فبقدر ما هو جارح لكونى صحفية إلا أنه محق فيما يقول فقد امتلأت المهنة بالمنتسبين لها والذين أجزم أن علاقاتهم بالإعلام كعلاقة سائقى الميكروباص بالذرة ولكن ما العمل فى ظل تواجد بعض المسئولين الذين باتت علاقاتهم بالصحافة مجرد «لينك» يرسل له وبداخله صورته وبعض التصريحات التى أطلقها دون أن يدرك أن هذا الرابط الذى أرسل له لم يطلع عليه سوى هو ومن دونه.
حالة الانحلال المهنى التى أصابت الصحافة بفضل المتطفلين عليها امتدت للإعلام المرئى عبر مجموعة من المراسلين يفتقدون للثقافة والمهنية ولعل المشهد الذى جمع بين مذيعة شهيرة وصاحبة باع فى الإعلام ومراسلة إحدى القنوات أثناء انعقاد مؤتمر خاص بالإعلام والأخيرة تسألها فى بث مباشر عن شخصها لتلقنها الأولى درساً فى العمل الإعلامى قبل أن تكتشف أنها على الهواء.
هكذا تحول الإعلام إلى سيرك يعمل به مجموعة من البهلوانات وقد يمضى الحال إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً لكن أن نجد أنفسنا فى حالة من العزلة بين المسئول والصحفى ويقتصر الأمر على بيان يرسل لتتشابه الأخبار فى مشهد جعل القارئ يعزف عما نكتب وسط حالة من الخوف فرضها المشهد على المسئول حتى لا يجد نفسه فريسة إذا ذل لسانه ونطق بما لا يأتى على هوى الرأى العام.
هذه الحالة تجسدت أمامى وأنا أتابع حالة الهجوم التى نالت مسئول أحد البنوك وهو يمزح مع مجموعة من الصحفيين تربطهم به حالة من الود تسمح بهذا المزاح دون أن يعى أن ما قاله على سبيل التهريج سيتحول لسيف مصلط على رقبته بسبب شخص بلا أخلاق خان الأمانة ووضع الرجل فى مأزق.
ما تعرض له مسئول البنك ذكرنى بحالة الخوف التى يعيش فيها مسئول الوزارة من أن ينال التحريف تصريحاته ويصيبه فى مقتل وقد يجد نفسه خارج المنصب لذا يكتفى بالبيان المرسل وسط غياب المعايير والقيم التى تفرض على العاملين فى المجال عدم خيانة الثقة التى وضعها فيهم المصدر ولكن ما يحدث ينطق بواقع مؤلم لإعلام بلا أخلاقيات.









