الدكتورة ابتهال الدمرداش، أستاذ ورئيس قسم الأدوية والسموم بكلية الصيدلة جامعة عين شمس، وأول مصرية تفوز بجائزة الاتحاد الأفريقيانكروماب للتميز العلمي، مسيرتها الحافلة ليست مجرد قائمة من الجوائز، بل شهادة حية على الإصرار والطموح والعمل الدءوب.
عالمة مصرية على قائمة ستانفورد لأفضل 2 من علماء العالم على مدار خمس سنوات متتالية، قامت بإنشاء أول مركز للتميز العلمى فى مصر لإجراء البحوث ما قبل الإكلينيكية.. جمعت بين التميز الأكاديمى والنزاهة العلمية والقيم الإنسانية الرفيعة، قادرة على الموازنة بين المختبر والبيت، وبين الواجب الأكاديمى والدور المجتمعي..فليست مجرد رمز للنجاح العلمي، بل نموذج مُشرق لكل شاب وفتاة، فالنجاح لا يُهدي، بل يُنتزع بالإرادة، والإيمان، والعمل المستمر.. وبعد فوزها بجائزة الدولة للتفوق العلمى فى مجال العلوم الطبية، تضيف د. ابتهال وساما جديدا إلى سجلها الحافل بالعطاء، مؤكدة أن التفوق الأكاديمى يمكن أن يسير جنبا إلى جنب مع رسالة إنسانية حقيقية، وصناعة دواء محلية متكاملة، لتكون طريقها نحو النجاح الحقيقى مصدر إلهام لكل الأجيال القادمة.

تنقلت بين أكثر من مؤسسة أكاديمية مرموقة، فكيف أثر هذا التنقل بين المؤسسات المختلفة على تطورك العلمى والمهنى؟
أنا محظوظة بهذا التنقل الذى يعد نادرا فى مصر، فقد شكلت شخصيتى المهنية والعملية، البداية كنت من أوائل دفعة 1993 صيدلة القاهرة وعينت معيدة بقسم العقاقير، ثم انتقلت بعد عام الى كلية الصيدلة جامعة الأزهر بنات بناء على اقتراح والدي، وتم قبولى أول معيدة بقسم الأدوية والسموم، مع العلم أنها لم تكن رغبتى الأولى .. ولكن حين التقيت الدكتور فريد حمادة، رئيس القسم آنذاك، شعرت بأنه الشخص القادر على وضع قدمى على طريق البحث العلمي، حيث كان يوفر لى البيئة المناسبة لتحقيق طموحى العلمي، وقد أشرف على رسالتى للماجستير مع الدكتور عبد المنعم عثمان أستاذ العلاج الكيميائى بالمعهد القومى للأورام جامعة القاهرة، الذى قال لى فى أول مقابلة: إن رسالتنا فى الحياة إجراء بحث علمى محترم يمكن نشره فى مجلات عالمية فى وقت لم يكن النشر الدولى معروفا، وبالفعل قمنا بنشر أول بحث فى Pharmacological Research وهى واحدة من المجلات العلمية المرموقة، وكان حصولى على درجة الماجستير من كلية الصيدلة بجامعة الأزهر إنجاز باعتبارى أول طالبة تُمنح درجة الماجستير فى هذه الكلية للبنات.. ثم بدأت المرحلة الثالثة فى الانتقال إلى كلية الصيدلة بجامعة عين شمس، تلبية لرغبة زوجى للعمل معا فى نفس المكان، وحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس، وكانت أول درجة دكتوراه تمنح من الكلية، مما شكل إنجاز جديدا، وقد تم إدراج اسمى على حجر الأساس بالكلية، ضمن الرعيل الأول الذى شارك انشاء كلية الصيدلة جامعة عين شمس .. وتميزت فترة عملى بالكلية إننى تحملت جزءاً إدارياً مما أكسبنى خبرة إدارية بجانب الخبرة العلمية، ثم منحت فرصة العمل فى برامج ما بعد الدكتوراه فى الولايات المتحدة الأمريكية فى 2006، وكان هذا نقطة فارقة فى حياتى البحثية، إذ شكلت أساساً متيناً لمسيرتى العلمية لاحقا.
هل الجوائز تعد هدفاً أم مجرد نتاج للدافع الداخلى للباحث؟
الجوائز ليست هدفاً بحد ذاتها، بل تعكس الجهد والدافع الداخلى للباحث، فالجوائز تصنع واقعاً جزئياً، لكنها فى الوقت نفسه نتاج الالتزام، والشغف الحقيقى بالبحث العلمي، وليس مجرد السعى وراء الأوسمة، ولكل باحث رؤيته الخاصة تجاه الجوائز، فالبعض يراها هدفاً أساسياً، وهذا فى العالم كله هناك من يطلق عليهم صائدى الجوائز بينما يعتبرها آخرون مجرد تقدير للإنجازات.
حدثينا عن أبرز تجاربك البحثية؟
العلاج الجينى والعلاج بالخلايا الجذعية وعلاج فشل التبويض ومجال تليف الكبد، فقد قمت بإجراء اختبارات على مركبات جديدة بهدف تقييم فعاليتها وتأثيرها على التليف، ومن أبرز الأبحاث ما قمت به مع أستاذ مصرى بالتعاون مع المنظمة الأمريكية لحماية البيئة فى إعداد مقال علمى شامل عن مُرّكَبَّات لها تواجد فى مكسبات الطعم وموجودة فى المياه، وكنا نقيس أوجه السُمَيَّة وآلياتها لهذه المُرَكَبَّات وتم نشره فى دورية علمية مرموقة..ثم واصلت أبحاثى بعد عودتى مصر، فمثلا بالنسبة لفشل التبويض، كنت أعمل فى أمريكا على حيوانات معدلة جينيا، والتى لم تكن متوفرة بمصر لذا طورت أبحاثى نحو دراسة تأثير استخدام العلاج الكيميائى والإشعاعى فى إحداث فشل التبويض وكيفية علاجه، مُرَكِزَّة على حالات النساء اللواتى يتلقين علاجا للسرطان كيميائى أو بالإشعاع، بهدف إيجاد طرق لمعالجة فشل التبويض لديهن..قمت والفريق البحثى المتميز معى ببناء نموذج حيوانى باستخدام العلاج الكيميائى أو الإشعاعى لتوفير مواد علاجية لفشل التبويض، وأصبح هذا النموذج مرجعا مهماً للعالم فى هذا المجال..كما أكملت أبحاثاً فى مجال التليف، حيث كانت مشكلة التليف الكبدى وقتها كبيرة بسبب فيروس سي، وأيضا ركزت على دراسة الآليات السمية للمركبات المختلفة .
هل ساهمت جائزة الدولة التشجيعية والجوائز الدولية فى توسيع آفاق أبحاثك العلمية وتنفيذ مشاريع مشتركة؟
مُنحت جائزة الدولة التشجيعية عام 2011، وفى نفس العام، تقدمت للحصول على جائزة الاتحاد الإفريقى «نكروما» للتميز العلمي» فى أديس أبابا، وتم الإعلان عن فوزى بالجائزة عن شمال إفريقيا خلال احتفال مهيب تزامن مع افتتاح جامعة Pan African University..وأثناء الاحتفال، تعرفت على أستاذة الفسيولوجى بكلية الطب جامعة برتوريا، وقمنا بالتعاون العلمى معا، و فى عام 2012، قدمنا بروتوكولا مشتركا إلى وزارة البحث العلمى فى مصر والمنظمة الوطنية للأبحاث بجنوب إفريقيا NRF، حول نقاط التلاقى بين أبحاثنا فى مجال الأدوية المضادة لتليف الكبد والجلطات الناتجة عن زيادة تركيز الحديد، وتم قبول البروتوكول، وتنفيذ المشروع بنجاح ، مما سمح لإضافة إكلينيكية جديدة لهذه الأدوية فى المستقبل.. وأثناء الاحتفال بجائزة «نكروما» تحدث أحد الباحثين من وسط أفريقيا عن مركز للدراسات ما قبل الاكلينيكية يقدم خدمات لشركات الأدوية، مثل إعداد الملفات المطلوبة لتسجيل الأدوية، وكانت الفكرة جذابة بالنسبة لي، وعندما عدت، بدأت التخطيط لتطبيق هذه الفكرة فى مصر، وقدمت عرضا تم قبوله وتمكنت من إنشاء أول مركز للتميز العلمى من نوعه فى مصر للدراسات ما قبل الإكلينيكية لتقييم وسلامة وفعالية الأدوية من صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية، كخطوة لتعزيز صناعة الدواء من خلال توفير ما يلزم من دراسات لازمة لتسجيل الدواء.
هل ساهمت جائزة الدولة للتفوق فى العلوم الطبية فى تعزيز مسارك العلمى؟
بالفعل أسهمت هذه الجوائز فى تعزيز مكانتى الأكاديمية وفتح آفاق أوسع للبحث والابتكار فى مجال الصيدلة، لاسيما أنها توافقت مع استمرارى للعام الخامس ضمن قائمة أفضل 2 % من علماء العالم فى تصنيف ستانفورد، وتلك الجائزة جعلتنى اتأكد أثر أبحاثى وفاعلية ما أقدمه للمجتمع العلمي.. ورغم تعدد الجوائز، فإننى لست من الباحثين الذين ينشغلون بالسعى وراء الأوسمة أو الظهور فى القوائم، فأنا لا أنشر أبحاثى بغرض الترقية، بل بدافع الشغف الحقيقى بالبحث العلمي، لكن عندما يتم تكريمى أو إدراج اسمى ضمن قوائم دولية، أشعر بسعادة لأنها شهادة بأن ما قدمته من جهد وإنتاج بحثى قد أحدث تأثيرا حقيقيا.
بصفتك رئيس قسم الأدوية والسموم ما أبرز التحديات التى تواجه البحث العلمى فى هذا التخصص داخل الجامعات المصرية؟
يواجه البحث العلمى عدة تحديات، يأتى فى مقدمتها محدودية التمويل المخصص للمشروعات البحثية مقارنة بحجم الاحتياجات الفعلية، إلى جانب نقص الأجهزة والمعامل المتطورة التى تواكب المستجدات العالمية، وتظل الإجراءات البيروقراطية، وبطء منظومة الحصول على مستلزمات الأبحاث، ومن أبرز العقبات التى تؤثر بشكل مباشر على سرعة وكفاءة إنجاز العمل العلمى داخل الجامعات، وما نراه من تحديات ليس سوى جزء بسيط من مشكلات أعمق تعيق منظومة البحث العلمي، فالبنية التحتية الداعمة للباحثين باتت فى حاجة ملحة لإعادة هيكلة شاملة، خاصة مع تعقيد إجراءات المناقصات والعروض والتغطيات، التى كثيرا ما تعرقل إنجاز الأبحاث ولا تخرج بالشكل المطلوب، ويقضى الباحثون بدلا من التفرغ لعملهم العلمى ما يقرب من 80 % من وقتهم فى الأعمال الإدارية والورقية، وهو ما ينعكس سلبا على جودة الإنتاج البحثي، وقد طرحت رؤية تدعو إلى إنشاء مراكز موحدة داخل كل جامعة لتوفير المستلزمات والمواد البحثية، بحيث تتعامل الشركات من خلال نقطة واحدة واضحة تشبه نموذج المعارض المتخصصة، الأمر الذى يضمن الشفافية، ويسهل الإجراءات، ويرفع كفاءة منظومة البحث العلمى داخل الجامعات المصرية.
ما المبادئ والقيم التى تحرصين على ترسيخها فى طلابك أكاديميا وإنسانيا؟
أهم مبدأ بناء وعى حقيقى بأخلاقيات البحث العلمي، وليس مجرد التزام سطحى بالقواعد التقليدية، ولذلك عملت منذ عام 2014 على تدريب الباحثين فى مختلف الجامعات والمؤسسات من خلال برامج مصرية ودولية، وترسيخ مفاهيم النزاهة العلمية، واحترام الملكية الفكرية، والالتزام بالمعايير الصحيحة فى العمل البحثى ..وركزت على القيم الإنسانية، وقد أسهمت فى تطوير برامج تعتمد على تعليم الأخلاقيات، وشرفت بالمشاركة مع الخبير الأمريكى د.هنرى سيلفرمان فى برنامج MERETI المُوَجَّه لمنطقة الشرق الأوسط، والذى يعد نموذجاً مهماً لبناء وعى مستدام لدى الباحثين حول أهمية الالتزام بالقيم الأكاديمية والإنسانية على حد سواء.
كيف تنظرين لدور المرأة فى المجتمع العلمى المصرى؟
تلعب المرأة دورًا متزايدًا فى الأهمية بالبحث العلمي، بما فى ذلك المجالات المتقدمة، وأثبتت قدرتها على القيادة والمساهمة رغم التحديات التقليدية والصعوبات غير المتوقعة، وأصبحت مراكز بحثية ومؤسسات تعترف بإمكانات المرأة وتمكنها من الوصول إلى المناصب البحثية العليا، سواء على مستوى الأقسام أو الكليات، وفى قسمى يشكل النساء غالبية الفريق البحثى ويقمن بإدارة المشاريع العلمية بكفاءة عالية، ومع ذلك، لا يخلو العمل فى هذا المجال من صعوبات، سواء على مستوى الإدارة، والإمكانيات، أو طبيعة البحث نفسه، وأن لحظات الإحباط واليأس أمر طبيعي، لكنها جزء من رحلة الباحثة التى تنتظر اللحظة التى تتحقق فيها نتائج البحث العلمى بشكل ملموس، أما تجاوز هذه التحديات يتطلب الصبر والمثابرة والإيمان بقيمة البحث العلمي، الذى يتيح للمرأة إثبات حضورها ومساهمتها الفاعلة فى مجالات تتطلب دقة عالية والتزام مستمر.
ما الخطوات المطلوبة لتحقيق حلم صناعة دواء متكاملة فى مصر؟
وضع خطة فعالة بعد عدة سنوات لتصنيع دواء مصرى ابتداء من المادة الفعالة وصولا الى الشكل الصيدلي، واختباره إكلينيكيا ليصل الى الأسواق ويتم تصديره للخارج، فتطوير أى دواء يمر بعدة مراحل دقيقة قبل وصوله إلى السوق، ومع اقرار قانون السماح بإجراء التجارب الإكلينيكية عام 2020 أصبح من حقنا عمل تجارب إكلينيكية ولكن بشرط وجود إرشادات واضحة فى مجال البحث العلمي، لذلك صممت برنامج « بناء القدرات فى الدراسات ما قبل الإكلينيكية» ، والمطلوب الان العمل على أبحاث طبقا للاشتراطات المطلوبة لعمل دراسة للدواء طبقا للممارسة المختبرية الجيدة ليخرج بنتائج يمكن الثقة فيها، والدولة حققت خطوات جديدة فى هذا الاتجاه.
كيف يمكن تعزيز ثقة المواطن فى الدواء المصرى مقارنة بالمستوى العالمى؟
بالفعل المنتج المحلى لا يقل جودة عن المستورد، لأننا فى الحقيقة نقوم باستيراد المواد الفعالة وما لا يقل عن 70 % من المكونات الأخرى لنضعها فى الشكل الصيدلى، مع التأكد أن كل دفعة دوائية تخضع للتقييم والفحص الدقيق قبل طرحها فى السوق، أما الاختلاف البسيط فى الشكل أو التركيبة فلا يقلل من الفاعلية أو السلامة، عِلْمًا بأن الأدوية المصرية تخضع لإجراءات صارمة للرقابة والتقييم ، وهو ما يجعلها متكافئة مع المستويات العالمية، فالمواطن المصرى يمكن أن يثق تماما فى المنتج المحلي، وأؤكد أن الترويج للمستورد على حساب المنتج الوطنى لا يعكس الحقيقة العلمية، فالدواء المصرى قادر على تحقيق نفس النتائج ويواكب المعايير الدولية.
هل للصيدلى دور فى خدمة المجتمع ؟
نعم، الصيدلى له دور كبير جدا مجتمعيا فهو صاحب المهنة الوحيدة التى يتعامل معها الناس دون وسيط ولا استقبال او سكرتيرة، بابه مفتوح على الشارع، وفى فترة الكورونا كان لهم دور كبير مع المواطنين، ونحن نحتاج تأكيد دور الصيدلى الإكلينيكى.









