فور أن تخطو قدمك داخل أروقة مجمع البحوث الاسلامية وبلا أى مقدمات تشعربنسائم القرآن وقد ملأت قلبك وروحك وحين تتبع تلك النسمات تجد نفسك امام بوابة كبيرة مدون عليها «لجنة مراجعة المصحف الشريف» وعندما تفتح الأبواب تجد مجموعة كبيرة من كبار الأئمة والمشايخ يصطفون حول طاولة مستديرة وأمامهم عشرات الكتب والمصاحف المجلدة وعندما تقترب أكثر، وأكثر تجد كل شيخ منهم يمسك بيده مجموعة من الأوراق أو نسخة من المصحف وقلماً حيث يدقق ويراجع ويدوِّن الأخطاء والملاحظات وعندما يمتد نظرك عند رأس الطاولة تجد الدكتور عبد الكريم صالح رئيس لجنة مراجعة المصحف الشريف وبجانبه الشيخ حسن عبد النبى وكيل اللجنة، حيث يراقبون ويتابعون بكل حزم وجِدٍّ أعمال اللجنة، وقد كان الحديث معهم عن رحلة مراجعة المصحف حديثا ممزوجا بالراحة والسكينة والفخر خاصة عندما علمنا أن اللجنة تخدم كتاب الله تعالى منذ عام 1907 وأنها الأقدم والوحيدة المنوط بها مراجعة المصحف المتداول فى الوطن العربى والبلدان الإسلامية ومن هنا كانت الحكاية مع الأئمة لكى نعرف الرحلة من البداية وحتى إصدار أمر الطبع والتداول للمصحف الشريف والتى تبدأ عندما تتقدم دور الطبع سواء داخل مصر أو خارجها والراغبة فى إصدار مصحف بطلب الى اللجنة وتسليم نسخة من وجه واحد للمراجعة، والتى تخضع للفحص من 3 أعضاء كل واحد منهم يقوم بمراجعة النسخة كاملة، وبعد الانتهاء يتم إرسالها للمطبعة للتصويب وتنفيذ جميع الملاحظات سواء المتعلقة بالرسم أو الضبط أو التقسيمات أو علامات الوقف أو الخط ، ثم تبدأ مرحلة إصدار تقرير طبع حيث يعود المصحف للجنة مرة ثانية ولكن هذه المرة تكون النسخ قد تم طبعها من وجهين وجمعها وتجليدها فى شكل اخراجها النهائى لتمنح فى هذا الوقت تصريح الطبع ومن هنا تأتى مرحلة التداول والتى لا يجوز قبلها طرح المصحف فى الأسواق وألا تُعَّدُ جهة النشر مخالفة، وتُعَرِّض نفسها للمساءلة القانونية .
فى مرحلة التدول تقوم دار الطبع بإحضار 10 نسخ للمراجعة النهائية، والتى قد تصل إلى أكثر من 4 مرات للتأكد من سلامة كتاب الله تعالى والتزام المطبعة بكافة التصويبات وفى تلك المرحلة يمنح المصحف رقم مسلسل للتداول وهو ما يُعَد مرجعية اللجنة عند حدوث أى مخالفة.
اللجنة هى الوحيدة فى العالم الاسلامى التى تقوم بمراجعة جميع الروايات العشرين للقراءات العشر المتواترة على سبيل المثال رواية « ورش عن نافع » والتى تكون بالضبط المغربي، وهو ضبط يختلف عما هو متداول كما تدقق اللجنة فى أرقام الصفحات وتسلسلها وهوامش المصحف وأسماء السُور، وعدد الآيات وترتيبها والأرباع والأثمان والسكتات والسجدات والصفحات الأولى والفهرس والدعاء الختامي.
بأن جميع المصاحف يجب أن تكون موافقة لقواعد الرسم العثمانى مع الالتزام بشروط الطباعة وأن يكون لون الورق إما كريمى أو أخضر فاتح أو أبيض وتكون الطباعة باللون الاسود فقط مع عدم تلوين لفظ الجلالة وهى قواعد موحدة سواء سيتم تداول هذه النسخ داخل البلاد أو خارجها .
اللجنة لا تهتم مطلقا بحجم الورق وفخامة الطباعة كما تقوم بمراجعة جميع المصاحف بجميع اشكالها واحجامها سواء ورقية اوالالكترونية اوعلى لوحات قرأنية اوساعات يدوية وحتى المصاحف التى تأتى عن طريق الجمارك يجب عرضها على اللجنة اولا للسماح لها بالمرور والعكس صحيح اى جهة ترغب فى ارسال نسخ قرآنية للخارج يجب ان تحصل على تصريح كتابي من اللجنة اولا للتأكد من ان هذه المطبوعات موافقة لجوهر القرآن الكريم كما تراجع اللجنة الايات القرآنية المكتوبة فى كتب التجويد ومصاحف الصم والبكم اما مصاحف المكفوفين والمدونة بطريقة «بريل» فهناك لجنة اخرى مستقلة تقوم بمراجعتها.
وعن الشروط الواجب توافرها والعلوم التى يلزم ان يلم بها المراجع كانت: يقول الدكتور عبدالكريم صالح أنه يشترط اولا ان يكون المراجع خريج معهد القراءات او كلية علوم القرآن الكريم ثم يجب ان يجتاز الاختيارين التحريرى والشفوى بحيث يتم التأكد من انه على دراية كافية بكل احكام التجويد وضوابط القراءات المتعددة وبعد ذلك يتم اخضاعة للتدريب داخل اللجنة لمدة لاتقل عن عام ونصف العام بحيث يتم تدريبه على المصاحف برواية «حفص» ثم الروايات الاخرى سواء كانت الضبط المغربى او المشرقى او الافريقى.
وهنا تأتى نهاية الرحلة لنغادر هذه الحجرة ونحن فى غاية الانبهار بعد ان تعرفنا على جزء بسيط مما تحمل جدران هذا المكان من متعة واسرار.









