عرفناه منذ كان زميل الفصل الدراسي في المرحلة الثانوية، وكيف كان قادراً على المحاورة والمناورة لتحقيق أهدافه، كما كان مبدعاً في التواصل الاجتماعي مع أصحاب النفوذ داخل المدرسة وخارجها بأسلوب مدهش يثير التأمل والإعجاب الحذر.
مارس أعمالاً متعددة ما بين العمل في شركات سياحة وسمسرة الأراضي والعقارات ومستشاراً لبعض رجال الأعمال، بل وصل الأمر إلى إلقاء خطبة الجمعة في أحد المساجد، وفي الوقت نفسه عمل مدير أعمال لإحدى الفنانات.
وبإيجاز كما قال مفاخراً ذات يوم أنه أشبه بـ (توتي فروتي) أو كل الفواكه بالإيطالية. منذ فترة قصيرة رأيت صورته على صفحته بالفيس مترشحاً فردياً عن دائرته بانتخابات مجلس النواب وعندما تقابلنا مع بعض الصحبة وسألناه عن ترشحه الانتخابي أجابنا قائلاً: أهل الدائرة طلبوا مني بإلحاح أن أكون ممثلهم في مجلس النواب فداعبه أحد الأصحاب قائلاً (لهم) ولا (عليهم) فأجابه ضاحكاً على الفور المهم الإجادة في الأداء.
وبلغة المنطق يعد التمثيل عملية معرفية لنقل معنى من موضوع معين (المصدر) إلى موضوع معين آخر (الهدف). أما أسلوب التمثيل فهو نظام يستعمله الممثل لخلق شخصية، فقد تكون الأدوار التي يؤديها الممثل متعددة وغامضة جداً، ولذا فإن عند أداء دور جديد، من المهم أن يكون هناك أكثر من طريقة للتعامل معه وعندما ينسب إلى (شكسبير) عبارته الشهيرة: ما العالم إلا مسرحاً كبيراً والبشر ممثلون، فإننا بإزاء أمر بالغ الأهمية.
حيث يلخص التمثيل إنتاج المعرفة بأكملها وعندما يرى الفلاسفة أمثال (هايدجر) و (فوكو) و(رورتي) أن الحقيقة هي دقة التمثيل، فإن ما ذكره صاحبنا عن الإجادة أو دقة الأداء كانت تعبيراً فكرياً بالغ الدلالة، لكن هناك مشكلة كبرى في الوقت نفسه حيث يتغير جوهر الإنسان الممثل في التقمص عند أداء دور معين، وهنا يبدو مأزق الحياة الواقعية ماثلاً في توقف العقل البشري عند حدود الأداتية أو الأداء ويصبح الخير والشر كلاهما –على سبيل المثال- ممثلين لصورة أو شخصية معينة.
وعلينا تجاوز أزمة “التمثيل” أو سياسة التمثيل حيث إنتاج تمثيلات في العالم دون أن نعرف مدى مشروعيتها أو موضوعيتها، ومن ثم فإن تحجيم دور المشهد التمثيلي والمعبر عنه بعمليات ذهنية ولغوية وأيضاً بالرؤية أمر واجب، وفي المقابل إعطاء الأهمية لحضور جديد للجسد، والعواطف والمكان، وأيضاً للممارسة، التفاعل، التكنولوجيا – إننا في حاجة إلى تأمل عبارة الفيلسوف (كانط): “لسنا نعرف الأشياء كما هي في ذاتها، بل كما تظهر لنا” إن ما نراه ليس الواقع بل تمثيله، ومن هنا فإن التمثيل أو عمل الممثل لا يقدم حقيقة، بل يعيد تشكيلها وتأويلها وتجسيدها أمام المتلقي الذي يتصورها دلالة على واقع ليس حقيقياً وكم كان المبدع “صلاح جاهين” معبراً عن صورة هزلية للتمثيل عندما كتب: ” بلياتشو قال إيه بس فايدة فنوني؟ وتلات وقق مساحيق بيلونوني والطبل والمزامير و كتر الجعير إذا كان جنون زبوني زاد عن جنوني.









