بعد انتهاء فعاليات الدورة الـ46 من مهرجان القاهرة السينمائى الدولي، يبقى فيلم «ليس للموت وجود» ضمن أكثر الأعمال التى أثارت انتباه النقاد والجمهور خلال عروض الجالا، حيث شهد المهرجان العرض الأول للفيلم فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. العمل، الذى يحمل توقيع المخرج الكندى الفرنسى فيليكسدوفور-لاباريير، يقدم تجربة سينمائية فى شكل فيلم تحريك طويل، تمتزج فيها الشاعرية البصرية مع الأسئلة الفلسفية ذات الطابع الإنسانى والسياسي.
«يرصد توتر الإنسان مع أفكاره»
الفيلم، الناطق بالفرنسية، ينتمى إلى سينما التحريك الفنية التى تعتمد على التجريب الجمالى أكثر من اعتمادها على الحكاية التقليدية. ومع ذلك، ينجح المخرج فى بناء عمل مشحون بالتوتر الداخلى والخارجي، حيث يقدّم رؤية رمزية لمفهوم العنف والتغيير، وحدود الإنسان بين الإيمان بمبادئه والانسحاق تحت وطأتها.
يدور العمل حول إيلين، ناشطة تشارك مع مجموعة من رفاقها فى هجوم مسلح ضد أصحاب النفوذ والثروات. ومع فشل العملية، تهرب إلى الغابة، حيث تبدأ مواجهة أخري: مواجهة ذاتها، ومراجعة ما آمنت به. وتعود صديقتها مانون شريكة العملية لتعيد إشعال الصراع، ليس فقط بينها وبين إيلين، بل داخل روح الأخيرة التى تجد نفسها بين سؤالين متصارعين:
إلى أى مدى يستطيع الإنسان دفع ثمن مبادئه؟ وهل يتحول التغيير إلى عنف عندما يفقد الإنسان بوصلته؟
الغابة مسرح داخلى للنفس
يستخدم الفيلم لغة بصرية تقوم على تداخل الواقع مع الخيال، حيث تتحول الغابة إلى فضاء نفسى يُسقط عليه المخرج صراع الشخصيات. التحولات الخيالية، والحضور الرمزى للطبيعة، يمنحان العمل طابعًا أسطوريًا قريبًا من حكايات التراث المأساوية، التى تربط بين الإنسان وقدَره وتقلّبات روحه.
لم يكن اختيار التحريك مجرد شكل، بل هو جوهر البناء الفنى الذى اعتمده دوفور-لاباريير.
الرسم اليدوي، الخطوط غير المستقرة، واللوحات اللونية المحدودة، كلها تمنح الشخصيات مظهراً يوحى بأنها جزء من الطبيعة وليست منفصلة عنها. وكأن الفيلم يقول:
الإنسان ليس كيانًا مستقلًا، بل امتداد لمحيطه، يتشكل به ويتحوّل بتغيراته.
هذه التقنية جعلت الفيلم يقترب من قصيدة بصرية، تتجاوز حدود السرد إلى رسم حالة شعورية كاملة.
رغم حساسيته الفنية العالية، أُنجز الفيلم بميزانية متواضعة نسبيًا بلغت 2.8 مليون يورو، وهو رقم محدود إذا قورن بأفلام الأنيميشن التجارية الكبري.
هذه الميزانية الصغيرة فرضت على فريق العمل25 فنانًا فى كندا و15 فى فرنساالبحث عن حلول خلاقة، الأمر الذى خلق أسلوبًا بصريًا فريدًا.
المخرج نفسه شارك فى رسم أجزاء كبيرة من العمل، معتبرًا «العيوب الصغيرة» فى الخطوط جزءًا من جماليات الفيلم لا نقصًا فيه.









