حكايتنا اليوم عن سيدة بسيطة تحمل بين أكتافها ثقل الحياة وتختزن فى قلبها قوة لا يعرفها إلا من واجه أقسى الابتلاءات، إنها سارة نوح من محافظة الجيزة، امرأة صنعت من صبرها وإصرارها معجزات صغيرة كفيلة بتغيير مصائر أسرتها، تحملت مسئوليتها بكل شجاعة، ولم تستسلم للفقر ولا لضيق ذات اليد.
منذ سنوات، كانت سارة من أوائل الحالات التى روتها صفحة «الجمهورية معاك»، عندما كان حلمها الأكبر أن ترى زوجها الشاب يتعافى بعد إصابته بخرطوش أدى إلى تدهور حالته الصحية بشكل كبير، حتى وصلت إصابته إلى سوسة العظام واحتاج إلى بتر ساقه.
تزوجت سارة عام 2007 من سائق يعيش على الكفاف، ولم يكن لها همّ سوى توفير حياة كريمة لأولادها، حتي جاء عام 2011، ومع الثورة وما صاحبها من أحداث، تعرض زوجها لإطلاق خرطوش فى ساقه على يد قاطعى طرق، خضع لاثنتى عشرة عملية جراحية، ومع ذلك استمرت معاناته، ولم يكن أمام سارة سوى أن تحمل زوجها بين المستشفيات، من عيادة إلى أخري، بحثًا عن علاج على نفقة الدولة، بينما كانت تكافح لتأمين أبسط احتياجات أسرتها اليومية.
وقتها كانت متسلحة بالإرادة والإيمان، تبحث عن عمل لتسدد إيجار المسكن، وتوفر طعام أطفالها، وفى كل مرة كانت تواجه صعوبات كبيرة، كان حلمها الصغير يتمثل فى بطاقة تموينية ومعاش يكفيان لسد رمق الأسرة، ومع نشر قصتها فى «الجمهورية»، استجاب المسئولون، فتم توفير الطرف الصناعى لزوجها بعد البتر، وصُرفت لها بطاقة تموين ومعاش شهري، لتستمر رحلتها فى الصمود وتوفير حياة كريمة لأطفالها.
ولكن التحدى الأكبر كان مع نجلها يوسف، الطالب بالصف الأول الثانوى التجاري، الذى أصيب بورم في ساقه، وأصبح مهددًا بالبتر مثل والده، ولكن ضيق الإمكانيات المالية حال دون إجراء الجراحة اللازمة، ووجدت سارة نفسها عاجزة أمام ألم طفلها، رغم أنها اعتادت مواجهة الصعاب، ساعات نومها تقلصت، وقلبها يتمزق كلما رأت ابنها يتألم، حتى شعرت أن صوتها الوحيد المسموع كان فى صفحة «الجمهورية معاك»، فكانت شريان الأمل لها ولعائلتها.
وبالفعل، بعد نشر استغاثتها، جاءت الاستجابة بسرعة من الهيئة العامة للتأمين الصحي، وتم علاج يوسف علي نفقة التأمين الصحي، وتحويله إلى مستشفى الهلال لإجراء التدخل الجراحى وإنقاذ ساقه من البتر، دموع سارة وقتها لم تتوقف؛ فرحتها كانت صادقة عندما شعرت بأن حلمها، وحلم كل أم تحاول حماية فلذة كبدها تحقق أخيرًا.
تعد قصة سارة شهادة على قوة الإرادة البشرية، وعلى الأثر الكبير لتكاتف أجهزة الدولة والمجتمع فى إنقاذ الأرواح وتخفيف آلامها.. إنها رسالة لكل من يواجه تحديات الحياة بالإرادة، الصبر، الإيمان، والمساندة الحقيقية يمكن أن تصنع المعجزات، وأن الأمل موجود دائمًا، حتى حين تبدو الأمور مستحيلة.
وتتمنى الأم التى لا تعرف الاستسلام أن يواصل المسئولون دعمهم لها، مثلما فعلوا فى المرات السابقة، لإنقاذ ساق ابنها من البتر وإجراء جراحة جديدة بمستشفى الهلال لرفع الأسمنت الطبى وترقيع عظام صناعية 10سم حتى يتعافى ويتمكن من استكمال دراسته بنجاح.
بكل ما مرت به الأم التى تعتبر رمزًا للأمل والإصرار، ترفع رسالة لكل أم ولكل إنسان وهى إن الحياة لا تتوقف على الظروف، بل على قوة القلب وإصرار الروح، وعلى اليد التى تمتد إليك بالخير فى الوقت المناسب.









