نال الفيلم المغربى الأسبانى «زنقة مالقة» إشادة كبيرة من جمهور مهرجان القاهرة السينمائى الذى حضر عرضه بالمسرح الكبير بدار الأوبرا، لما قدمه من قصة إنسانية مؤثرة لامرأة أسبانية فى أواخر السبعينات من عمرها، وتعيش بمفردها فى مدينة طنجة المغربية ــ وسط منطقة شعبية يتميز أهلها بالطيبة ــ مع ذكرياتها لزوجها الراحل، ويبرز الفيلم استمتاعها بحياتها اليومية الخاصة وحب الجيران لها الذين يتعاملون معها كامرأة من وطنهم المغرب.
«زنقة مالقة» من إخراج المغربية مريم التوازنى وهى من مواليد مدينة طنجة والتى دارت بداخلها أحداث الفيلم المثيرة، الممتزجة بالإنسانية والحب والحميمية فى بعض المشاهد غير المفتعلة، وهو أحد أفلام المهرجان المنافسة وبقوة لنيل أكثر من جائزة فى المسابقة الدولية الرسمية للمهرجان، كما أن الفيلم تم اختياره أيضاً ليمثل السينما المغربية فى مسابقة جوائز الأوسكار لعام 2026.
لعب بطولة الفيلم الفنانة الأسبانية المخضرمة «كارمن مورا» والتى قدمت شخصية المرأة المسنة والتى وصلت لمرحلة الشيخوخة باقتداروببراعة، وتعيش فى شقتها بطنجة مع ذكرياتها، حتى وصلت إبنتها الوحيدة من مدريد لتفاجئها أنها ترغب فى بيع المنزل بسبب صعوبة الحياة وغلائها فى أسبانيا، وأن عليها التزامات مع زوجها فى تربية طفليهما ، وتقترح على أمها أن تعيش معها فى مدريد أو تعيش فى دار مسنين بالمدينة التى تعشقها طنجة.
وتفاجأ الأم ببيع ابنتها أثاث البيت لأحد التجار المغاربة والذى استغل الموقف واشترى المقتنيات والأثاث بمبلغ زهيد، ومن هول المفاجأة لم تتمكن من المقاومة لتجد ابنتها تنقلها للعيش فى دارالمسنين، ومن ثم تعود لأسبانيا انتظاراً لأحد يشترى البيت، وتجد الأم نفسها تعيش فى حياة رتيبة مع العجائز ولوائح فى النوم والاستيقاظ وتناول الطعام، ولم تتحمل الأم تلك الحياة الرتيبة المملة فتترك دارالمسنين وتعود لمنزلها لتجده خاوياً بلا أثاث، فتذهب للتاجر الذى اشترى أثاث المنزل وتطلب منه استعادة أثاث البيت ومقتنياته، فيطلب منها مبلغاً أكبر من الذى إشترى به، ويبدأ البيت يعود لحالته الطبيعية تدريجياً .
علاقة عاطفية حميمية
تتحول أحداث الفيلم إلى مسار غير متوقع، عندما تنشأ علاقة عاطفية فجأة بين المرأة العجوز والتاجر المغربى الذى بدى تعاطفه معها، وتتحول العاطفة إلى علاقة حميمية تدريجياً ، حتى أنها ذهبت لصديقتها الراهبة بالكنيسة تعترف وتحكى لها تفاصيل العلاقة ، والتى كانت بمثابة الدهشة للراهبة ولجمهور المهرجان فى جرأة السيناريو والحوار ، ثم تنتقل الأحداث لتعود الابنة للمنزل فجأة بعد أن وجدت شخص يرغب فى شراء المنول ، لتفاجأ بأن البيت عاد كما كان بأثاثه ومقتنياته وذكرياته، وأن الأم عادت لمنزلها رافضة تركه مهما حدث ، وتأتى النهاية مفتوحة بأن الابنة تنظر للبيت بمقتنياته فى حنين ، ثم تبكى بكاءَ له أكثر من تفسير.. ما بين بكاء الحنين للماضى وذكريات البيت.. وما بين الشخص الذى إشترى البيت وسيأتى فى أى وقت لاستلامه!!
شهد الفيلم إقبالاً كبيرًا من الجمهور، كما كان هناك أعداد من المغاربة تقدمهم السفير المغربى محمد أيت ورجال السفارة ، وما بين إعلاميين وفنانين مغاربة ، إلى جانب الجمهور المصرى ونقاده الذين أشادوا بمحتوى الفيلم الإنسانى وأبطاله، وأداء الممثلة الأسبانية كارمن مورا ، مما ساهم فى طرح السؤال الدائم فى عدم خوض كتاب السيناريو لقصص وروايات حول شخصيات أبطالها فى خريف العمر .
نجحت المخرجة المغربية مريم التوازنى أن تخوض احداث الفيلم فى إيقاع هادئ غير ممل للمشاهد عن امرأة مسنة تقاوم فى صمت رغبة الابنة فى القضاء على ذكرياتها ، كما ترفض أن تترك المدينة التى عاشت فيها أحلى سنوات العمر من أجل أن تعود لوطنها أسبانيا ، فهويتها هو المكان الذى وجدت نفسها فيه وأحبته.
وأكدت مريم التوازنى فى أحداث الفيلم أن المشاعر العاطفية لا تنطفئ وتتوقف، وأبرزت تلك المشاهد بالتصوير والإضاءة الخافتة ، فالرغبات لا ترتبط بعمر كبيرأو عمر صغير ، فالمرأة تبحث عن الدفء والحب وتسعد أن تستعيد جمالها، كما أن ذاكرة المكان لم تتوقف داخل المنزل ، بل أيضاً فى الشارع من سكانه ومحلاته وبائعيه، وارتباطها بهؤلاء برغم أنهم عرب وأصحاب ديانة أخرى غير ديانتها .









