مازالت ظاهرة الهجرة غير الشرعية تلقى بظلالها على العديد من الدول الاوروبية خاصة تلك التى تطل على البحر الابيض المتوسط والتى تقترب سواحلها مع بعض الدول العربية مثل ليبيا و تونس والجزائر ..كما إنها تمثل تحدياً كبيراً على الدولة المصرية التى نجحت فى تعزيز تأمين حدودها وسواحلها سواء من خلال أحدث الاجهزة والمعدات التى تراقــب تلك السـواحل أو من خلال يقظة أجهزة الامن وقوات حرس الحدود أو من خلال حملات التوعية من مخاطر تلك المحاولات التى غالباً ما تبؤ بالفشل وأيضاً من خلال الاستثمار فى البنية التحتية لمعظم موانيها مما جعلها دائماً محل متابعة ومراقبة وهو الامر الذى أدى بالفعل إلى عدم قيام أى محاولة بحرية للهجرة غير الشرعية تنطلق من الموانئ المصرية منذ عام 2016.
تعد ظاهرة الهجرة غير الشرعية أحد التحديات الرئيسية التى تواجه العديد من الدول الاوروبية بالفعل حيث إنها تتعدد فى جوانب تأثيراتها السلبية إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والانسانية وكذلك تأثيرها بصورة مباشرة على الاستقرار السياسى والتأثير على الامن القومى والسيادة الوطنية وأمن واستقرار المجتمعات.
يأتى تناولنا لهذه القضية اليوم على ضوء تلك الزيارة الناجحة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى لبروكسل حيث إجتمع مع قادة دول الاتحاد الاوروبى الذين أبدوا تخوفهم من ظهور بوادر جديدة للهجرة غير الشرعية من الدول الافريقية وبعض الدول العربية على ضوء توترات الاوضاع السياسية والاقتصادية وضعف الامكانيات الامنية لهذه الدول …ولقد رأيت بنفسى العشرات بل والمئات من حاملى الجنسيات الافريقية والعربية فى دولتى اليونان وإيطــاليا حيث تمكنوا من الوصول لهاتين الدولتين من خلال ســواحل ليبيــا وبعض الدول الأخــرى التى لا تخضع لمراقبة أمنية فعالة وهو الامر الذى دفع قادة دول أوروبا إلى طلب المعاونة من الدولة المصرية لوقف نزيف الهجرة إليها وذلك لما لها من خبرة فى مجال ضبط سواحلها وشواطئها إدراكاً منها لخطورة هذه المشكلة المتعددة الاوجه.
تشير المعلومات إلى تضاعف عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى بعض الدول الاوروبية حيث تجاوز عددهم 115 ألف مهاجر خلال العام الحالى وهو الامر الذى سبب حالة من الهلع لدول الاتحاد الاوروبى التى دعت السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى معاونتهم لايقاف هذا الطوفان المرشح للتزايد على ضوء الاحداث التى تشهدها السودان وسوريا وفلسطين والصومال بالاضافة إلى بعض الدول الافريقية الاخرى…كما أبدوا تقديرهم للتجربة المصرية فى التعامل مع قضية الهجرة الوافدة إليها والتى تحتل مرتبة متقدمة على أجندة مصر الوطنية حيث تستضيف مصر حالياً قرابة 10 ملايين مهاجر ولاجئ بنسبة تتجاوز 9 % من إجمالى تعداد السكان يستفيدون على قدم المساواة مع المصريين من حيث الخدمات الاساسية التى تقدمها الدولة لمواطنيها فى مجالات التعليم والصحة وفى اعتقادى أن الاحداث الدامية التى تشهدها السودان حالياً سوف تؤدى إلى تزايد عدد الفارين من أعمال العنف هناك وكل ذلك على الرغم من التحديات الاقتصادية التى تشهدها البلاد ومحدودية الدعم الذى يقدمه المجتمع الدولى والذى لا يتناسب مع حجم الاعباء التى تتحملها الدولة المصرية ….ومن هذا المنطلق فقد عادت قضية الهجرة إلى أوروبا تلقى بظلالها على دول القارة تخوفاً من تزايد أعمال العنف والتوتر فى العديد من الدول الافريقية والعربية وبدأت تشكل هاجساً مخيفاً لهم على ضوء عدم قدرة مصر على استيعاب مزيد من أعداد المهاجرين إليها أو سعى المهاجرين المتواجدين بها إلى الهروب بطرق غير شرعية إلى دول الاتحاد الاوروبى …وبناءً عليه فقد تم عقد العديد من اللقاءات والزيارات لوفود سياسية وأمنية إلى مصر تم خلالها تعزيز سبل التعاون للحد من تدفق المهاجرين إلى تلك الدول بطرق غير شرعية وذلك على ضوء أن مصر تعتبر دولة عبور رئيسية بين أفريقيا وأوروبا وتستطيع من خلال الضوابط الحدودية المصرية ومبادرات مكافحة التهريب بشكل مباشر على تدفقات الهجرة إلى الاتحاد الاوروبى ويتيح هذا التعاون تبادل الخبرات وتحسين قدرات التنفيذ ومعالجة الاسباب الرئيسية للهجرة.
وعلى صعيد آخر فإن مصر تعمل أيضاً مع المنظمات غير الحكومية والشركاء الدوليين لتقديم خدمات الدعم للمهاجرين و اللاجئين مثل مفوضية الامم المتحدة لشئون الهجرة والمنظمة الدولية للهجرة متعددة الاطراف حيث تشارك مصر فى برامج تدريب مشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية ومبادرات بناء القدرات على مكافحة محاولات الهجرة غير الشرعية ويشمل ذلك الوصول إلى الرعاية الصحية والمساندة القانونية والمأوى والدعم النفسى والاجتماعى بهدف معالجة القضايا الانسانية حتى لا تستغل الشبكات الاجرامية الابرياء والضعفاء والباحثين عن الامل المزعوم.
لقد قدمت مصر نموذجاً رائداً فى التعامل مع ملف الهجرة غير الشرعية سواء فى استضافة الملايين من المهاجرين واللاجئين أو من خلال منع الهجرة غير النظامية من الخروج عبر السواحل المصرية وكذلك فى معاونة دول الاتحاد الاوروبى لوضع اسس واساليب التعامل مع تلك الظاهرة التى تهدد أمنهم واستقرارهم …ففى الوقت الذى كانت معظم تلك الدول تعانى وتحارب وتحاول منع دخولهم إلى أراضيها كانت مصر تفتح لهم أبوابها دون أن تضعهم فى مخيمات أو ملاجئ ودون أن تتشدق أو تتباهى بنجاح تجربتها سواء فى استقبال من يلجأ إليها أو فى منع من يحاول التسلل عبر سواحلها بطرق غير مشروعة إلى دول أخرى …ومن هنا فإننا لا نبالغ عندما نقرر بل وتقرر دول الاتحاد الاوروبى أمام السيد رئيس الجمهورية أن مصر كانت الدولة الرائدة فى التعامل مع تلك القضية بكل جدية لمن يحاول التسلل منها وبكل إحترام لكل من يلجأ إليها.









