فى اليوم العالمى للطفل، بينما تتحدث المؤسسات الدولية عن حقوق الصغار فى التعليم والصحة والأمان، يقف أطفال غزة والسودان فى عالم مختلف؛ يصطفون فى طوابير بعيدة عن تلك التى اعتاد عليها الأطفال صباح اليوم الدراسي.. فطوابيرهم إما فى قوافل النزوح، أو للحصول على الماء والغذاء والدواء. وفيما يرفع العالم شعارات حماية الطفولة، يواصل هؤلاء الأطفال دفع الثمن الأكبر للصراعات الممتدة.
ورغم اختلاف الجغرافيا بين غزة والسودان، إلا أن المعاناة واحدة؛ أطفال بلا مدارس، بلا ماء، بلا رعاية صحية، وبلا أفق.وجوه صغيرة أنهكها النزوح، وأجساد هزيلة خلفتها موجات سوء التغذية، ونظرات تبحث عن الأمان كحق أولى قبل أن تبحث عن التعليم أو اللعب.
وبينما تُرفع شعارات حقوق الطفل حول العالم، ما زال أطفال غزة والسودان يكبُرون سريعًا، ليس لأن طفولتهم ناضجة، بل لأنهم فقدوها مبكرًا.وفى يومٍ خُصِّص للاحتفاء بهم، يظل مطلبهم واحدًا: حياة يمكن أن تسمّى طفولة.
طفولة تختنق بين الحرب والجوع
فى غزة، لم يعد الخوف وحده ما يهدد الطفولة، بل أصبح الموت معركة يومية فاز من ربح فيها بحياة لا تشبه الحياة، بلا طعام أو ماء.. وعلى مدى عامين من حرب إبادة طاحنة، كشف تقرير صادم لليونيسف أن العمليات العسكرية فى قطاع غزة أدت إلى مقتل أو إصابة نحو 64 ألف طفل، من بينهم قرابة ألف رضيع.
هذه الأرقام لا ترصد فقط حجم الفاجعة، بل ترسم ملامح جيل ينشأ فى بيئة من الخوف والجوع والانقطاع التام عن التعليم. فوفقًا لتقارير اليونيسف، تعيش 96 ٪ من أسر القطاع بلا وصول كافٍ إلى المياه النظيفة، بعد أن تعرضت 80 ٪ من البنية التحتية للمياه والصرف الصحى للضرر المباشر.
وفى مايو الماضي، جرى تشخيص أكثر من 5,100 طفل بسوء تغذية حاد- بينهم 636 طفلاً فى حالة خطرة تهدد حياتهم- فى واحدة من أسرع موجات سوء التغذية تفاقمًا فى تاريخ القطاع.وتحذّر اليونيسف من أن ما يقارب مليون طفل باتوا محرومين من المساعدات الأساسية لأكثر من شهر، فى ظل القيود المفروضة على إدخال الإغاثة.
السودان… حرب تسحب البراءة إلى الظلام
على الجانب الآخر، يواجه أطفال السودان واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية فى تاريخ البلاد. فمع دخول الصراع بين قوات الجيش السودانى وميليشيات الدعم السريع عامه الثالث، أعلنت اليونيسف أن 15 مليون طفل يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة – رقم يعادل نصف سكان السودان تقريبًا.
ومع اتساع رقعة الحرب، أصبح السودان الآن يضم أكبر عدد من النازحين داخليًا فى العالم: نحو 11.5 مليون شخص، أكثر من نصفهم أطفال.
صرخات فى يوم الطفل
تُظهر هذه الأرقام أن الاحتفال بيوم الطفل العالمى لا يمكن أن يكون منفصلاً عن واقع الأطفال فى مناطق النزاع. فالمطلوب اليوم ليس كلمات تضامن، بل إجراءات عاجلة لضمان وقف العنف وحماية المدنيين، إدخال المساعدات دون قيود، إطلاق برامج دعم نفسى واسعة النطاق لجيل يعانى صدمات متراكمة.









