أيام قليلة ويخرج للنور مجلس النواب المصرى فى أحدث تشكيل له، وهناك أكثر من 150 عاماً تقف شاهدة على عراقة البرلمان المصرى والذى قدم بتاريخه العريق نموذجاً فريداً بين برلمانات العالم، فقد استطاع إرساء أسس الحياة النيابية السليمة بمعناها الإجرائى الصحيح. وقد شهد البرلمان المصرى لحظات تاريخية فارقة غيرت مجرى الحياة السياسية المصرية وألقت بظلال التغيير على ملامح المنظومة الإقليمية والدولية كان من أهمها الخطاب التاريخى للرئيس جمال عبدالناصر الذى ألقاه أمام البرلمان فى 1958/4/5بمناسبة إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وكذلك بيانه بالعدول عن التنحى عن الحكم فى 1967/6/10 والذى ألقاه نيابة عنه السادات، وخطاب النصر الشهير للسادات عام 1973، وكذلك إعلان السادات عبر منبر البرلمان المصرى عن نيته لزيارة الكنيست الاسرائيلى عام 1977. وللحياة البرلمانية المصرية تاريخ طويل مر بمجموعة من الحقب التاريخية بدأت لبنتها الاولى فى 1866/10/22 فى عهد الخديو إسماعيل بإنشاء «مجلس شورى النواب» والذى كان أول مجلس نيابى منتخب يمتلك اختصاصات نيابية حيث أخذت لائحته الأساسية الكثير من اللوائح البرلمانية الأوروبية والتى منحته اختصاصاً مالياً يتيح له الحق فى الاطلاع على ميزانية الحكومة وغيرها من المسائل المالية التى تخص الدولة. وما لبثت هذه الاختصاصات أن اتسعت مع إقرار اللائحة الاساسية الجديدة للمجلس عام 1879 والتى أقرت المسئولية الوزارية أمام البرلمان لأول مرة فضلاً عن منح سلطات أكبر فيما يخص الاختصاص المالى للمجلس. وقد خرج مجلس النواب المصرى المنتخب عام 1881 من رحم الثورة العرابية ممتلكاً اختصاصات رقابية لأول مرة اذ اصبح له حق توجيه السؤال للوزراء واستجوابهم. إلا أن هذا المجلس لم يكتب له الاستمرار سوى عام واحد ليتحول النظام البرلمانى فى مصر للأخذ بنظام الغرفتين عام 1883 «مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية» وذلك بموجب القانون النظامى المصرى الصادر أول مايو 1883 حيث استمر العمل بهذا النظام حتى عام 1913 وليعود مرة أخرى إلى نظام الغرفة الواحدة بإنشاء الجمعية التشريعية نفس العام. ويظل الحراك الثورى والإرادة الشعبية المصرية هى صانعة لتطوير الحياة النيابية فى مصر حيث كانت ثورة 1919 هى الداعية إلى إرساء دستور 1923، والذى أقر عودة نظام المجلس ذو الغرفتين مرة أخرى «مجلس الشيوخ ومجلس النواب» ليتم انتخاب أول مجلس نيابى له سلطة سحب الثقة من الحكومة عام 1924. ومع قيام ثورة 1952 بدأت مصر فصلاً جديداً من تاريخ الحياة النيابية بعد تحولها من النظام الملكى إلى النظام الجمهورى والعودة إلى نظام المجلس ذى الغرفة الواحدة بإنشاء مجلس الأمة الأول عام 1957 بمقتضى دستور 1956 والذى تحول إلى مجلس الأمة للجمهورية العربية المتحدة بالتعيين عام 1960 حتى عام 1961 ليتشكل مجلس الامة الثالث عام 1964 بمشاركة نسائية ملحوظة. ومع بداية السبعينيات من القرن العشرين وبموجب دستور 1971 شهدت مصر تطوراً كبيراً فى الحياة النيابية من حيث التشكيل والاختصاصات حيث تم إنشاء مجلس الشعب والذى كان يتمتع بسلطات تشريعية ورقابية ومالية كاملة وغير مسبوقة بالإضافة إلى اختصاصات فى إقرار السياسة العامة للدولة وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة. وفى عام 1980 عاد من جديد نظام الغرفتين من خلال مجلسى الشعب والشورى بموجب استفتاء شعبى عام ليستمر العمل بنظام المجلسين حتى شهدت الحياة السياسية المصرية ثورتى 25 يناير و30 يونيه وأعقبها عدة انتخابات تشريعية تمخضت عن نشأة البرلمان بموجب دستور 2014 والذى استفتى عليه الشعب فى يناير 2014. وهكذا من عقد لآخر ومن نظام لآخر تظل إرادة الشعب واختياره هى الفيصل فى الحياة النيابية المصرية.









