عرفت مصر منذ عقود دخول المال السياسى بثقله فى معترك الانتخابات البرلمانية ، وطبعا ليس هناك مانع من قيام كل فئة فى المجتمع بالدفاع عن مصالحها ومنهم رجال الأعمال خاصة فى ظل نطام الاقتصاد الحر، لكن أن يكون هو المتحكم الوحيد فى المشهد الإنتخابى ، هنا تكون الكارثة ويكون الرفض والتوقف ، لأن الفائزين من رجال الأعمال ببساطة لن يراعوا أبداً إلا مصالح وسياسات الرأسمالية من جهة ومن جهة أخرى لن يشعروا بهموم باقى فئات المجتمع.. وللوصول لهذا الهدف عرفت الانتخابات المصرية نظام الرشاوى الانتخابية التى تمثلت فى شراء بعض الأصوات، وأصبحت هناك تسعيرة لشراء بعض الاصوات من جهة بعض رجال الأعمال خاصة مع تدنى الإقبال الجماهيري، وقلدت التيارات الدينية هذا السلوك بشكل أسوأ لتدخل لساحة المنافسة بالـ «الزيت والسكر».. وكلنا يذكرالبداية الفجة فى انتخابات عام 2000 المترجم فى حصول 77 عضواً من رجال الأعمال على العضوية بعد أن كانوا 37 عضواً فى انتخابات عام 1995 فيما سمى بحرب «الخزائن المفتوحه»!!
* وتدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ أيام يعيد الأمر الى نصابه الصحيح بتصريحاته بشأن وقوع «أحداث» فى بعض الدوائر الانتخابية التى يتنافس فيها المرشحون الفرديون، ومخالفات أخرى شابت العملية الانتخابية، طالباً من هيئة الانتخابات فحص الطعون بشأنها، وإلغاء المرحلة الأولى بصورة كلية أو جزئية «عند تعذر الوصول إلى إرادة الناخبين الحقيقة».
وكان رد فعل حازم بدوى رئيس هيئة الانتخابات سريعاً يدل على حرص الهيئة «على نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، تأكيداً على حق الناخب فى اختيار من يمثله بحرية ونزاهة، وإيماناً ثم ظهرت النتيجة بإلغاء الانتخابات فى 19 دائرة بسبع محافظات.
* التدخل الرئاسى أثلج صدورالبعض ممن تظلموا، لكن تبقى القضية المهمة التى تستلزم التدخل بالبحث من الهيئة الوطنية للانتخابات لبيان صحة بعض الأقوال من عدمها وإعلان ذلك للرأى العام.
* منها الدعاية الانتخابية الصخمة التى تخالف بشكل فج ما قرره قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس النواب بألا تزيد قيمة الإنفاق على نص مليون جنيه لكل مرشح فردى و200 الف جنيه، والأمر لا يزيد على ذلك كثيراً فى القوائم التى وصلت إلى نحو 167 ألف جنيه وترتفع إلى نحو 236 ألفاً إذا حدثت إعادة.. وتحديد سقف الإنفاق على الدعاية الانتخابية يهدف إلى ضمان تكافؤ الفرص بين المرشحين ومنع هيمنة المال السياسي!
* وعقوبة تجاوز الحد الأقصى للإنفاق على الدعاية الانتخابية الغرامة التى لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تتجاوز خمسمائة ألف جنيه.. فهل سمعنا عن توقيع هذه الغرامة على مرشح رغم ما نراه من بذخ فى الدعاية، ولا يتحجج أحد بضآلة المبالغ المقررة للدعاية، فاذا لم يلتزم المرشح بالقانون قبل دخوله البرلمان فكيف سيقوم بعملية التشريع لقوانين لم يلتزم هو نفسه باحترامها كمواطن ومرشح!!
* والســؤال الذى تظهــر نتائجــه أمامنــا جميعا هل ما ينفق فى الدعاية الإنتخابية فقط له علاقة بما قرره القانون
والسؤال الساذج أيضا الذى يطرحه أمثالي، ما هو العائد المالى من مكافأت البرلمان المقابل لإنفاق هذه الملايين مع العلم إن قانون مجلس النواب يفرض على العضو التفرغ .!!
* لكن التصريح الخطير من الرئيس السيسى رغم الكلفة المالية للحكومة قوله ولا مانع من إلغاء النتائج وإعادة الانتخابات حتى ولو كانت بأكملها.
* والسؤال التالى علينا أن ندرس أسباب عزوف قطاعات من الناخبين للمشاركة، هل بسبب عدم اقتناعهم بالمرشحين أصلا أم بسبب عدم الاهتمام، أم، أم!!
والنظام الديمقراطى الذى ترتكز عليه مصرفى دستور 2014، واستهل عهد الرئيس السيسى به، وتحدث عنه الرئيس فى أكثر من مرة بأنه يرحب بالرأى والرأى الآخر، يعنى لا ديمقراطية بلا معارضة، يعنى لا مانع من وجود أحزاب معارضة الآن إذا صحت التسمية، وعدم صحتها يرجع إلى أن الرئيس السيسى جاء بأصوات الشعب بعيداً عن أى انتماء حزبى من جهة وأنه طبقاً للنظام شبه الرئاسي، الرئيس هــو الذى يختــار رئيس الوزراء الــذى يشــكل الحكــومة، يعنـى ليــس للرئيـــــس أو الحكـــومة حـــزباً يلتزمــون بأيـــديولوجيتـــه أوأهدافه، لكن الانتماء كله للشعب، وبالتالى الموجود فى الساحة الحزبية ليس هناك فيها ما يطلق عليه حزب أغلبية ليكون له حزب معارض!
ولذلك إذا كان هناك حزب يؤيد الحكومة، فلا أعتقد أن الحكومة ترى مانعاً من وجود أصوات معارضة فى البرلمان لتستفيد من رؤيتها التى من المفترض أنها تعبر عن قطاع من الشعب، أياً كان عدده، فإذا لم تكن هناك معارضة على الحكومة خلقها حتى يقف ويستقيم جسد النظام الديمقراطى على قدمين!!









