أصدر مجلس الأمن الدولى يوم الاثنين الماضى قراره رقم 2803، بشأن قطاع غزة، وهو القرار الذى قدمت الإدارة الأمريكية مشروعه للمجلس، وتم التصويت عليه بموافقة ثلاثة عشر عضوا من المجلس وامتناع روسيا والصين عن التصويت دون استخدام أيهما حق الفيتو ضده.
ويستند القرار، فى مرجعيته الأساسية، حصريا، إلى وثيقتين، هما خطة الرئيس ترامب ذات العشرين بنداً، والتى وصفها القرار بـ «الشاملة»، وإلى إعلان ترامب للسلام والذى وصفه القرار أيضا بـ «التاريخي» دون الإشارة إلى نسبة هذا الإعلان إلى «شرم الشيخ»، التى شهدت المؤتمر العالمى لتوقيعه ونشره على مستوى العالم.
ولا يتضمن القرار فى تحديد مرجعيته إلى أى قرارات سابقة صدرت من مجلس الأمن نفسه أو من الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا بشأن قطاع غزة تحديدا خلال عامين من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد القطاع، ولا بشأن القضية الفلسطينية نفسها.
وقد أثار امتناع روسيا والصين عن التصويت دون استخدام حق الفيتو ضد مشروع القرار الأمريكى تساؤلات الكثيرين وانتقاداتهم.. كيف لأكبر دولتين «تدعيان» مساندتهما للقضية الفلسطينية ودعمهما التاريخى لحقوق الشعب الفلسطينى أن يسمحا بمرور هذا القرار وهما لا يوافقان ضمنيا عليه.
وتردد فى الرد على هذه التساؤلات والانتقادات، أن الدولتين كانتا قد أعدتا مشروع قرار مضاد للمشروع الأمريكي، وتنويان عرضه على مجلس الأمن للتصويت عليه فى نفس الجلسة، إلا أنهما ارتأتا أن «الكتلة الصلبة» من الدول العربية والإسلامية التى تبنت خطة ترامب ووقعت بالموافقة عليها وعلى إعلانه أيضا، قد توافقت على مشروع القرار الأمريكي، وهى الدول الأكثر اتصالاً بالشأن الفلسطينى والأكثر حرصا على مصلحة الشعب الفلسطينى الذى تبنت «سلطته» مشروع القرار، وبالتالى لا مجال هنا للاعتراض من أجل تسجيل موقف لن يغير شيئاً.
القرار يضع قطاع غزة، حاضره ومستقبله فى يد الولايات المتحدة الأمريكية من خلال «مجلس السلام» الذى يرأسه الرئيس ترامب شخصيا، وليس الرئيس الأمريكى بصفته.. وقد اعترف القرار ومجلس الأمن الذى أصدره بالطبع بمجلس السلام هذا وهو لم يشكل بعد، ووضع فى يده كل السلطات والاختصاصات المنصوص عليها به وبخطة ترامب «الشاملة» وإعلانه «التاريخي»، ولفترة تمتد حتى اليوم الأخير من عام 2027، وحينها ينظر مجلس الأمن فى تجديد مدته أو إنهائها وفق ما تم إنجازه من المهام الموكلة إليه.
وعلى سبيل إيجاد «مساعد» للمجلس فى عمله، وطمأنة المجتمع الدولى على أن مجلس الأمن يظل مراقبا له، نص القرار على أن مجلس السلام هذا يمارس اختصاصاته بمشاركة الدول الأعضاء فيه و «الدول العاملة معه» وهى الدول التى وقعت ـ كضامن ـ على خطة ترامب وإعلانه.
وأن مجلس السلام يلتزم بتقديم تقرير عن أعماله إلى مجلس الأمن الدولى كل ستة أشهر.
وعن الإشارة فى صلب القرار إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وهى الإشارة التى اعتبرها البعض إنجازاً تاريخيا، فإن السياق الذى نص عليه القرار وانتهى بهذه الإشارة جاء على النحو التالي، وبالصيغة التالية:
يضطلع مجلس السلام بوضع الإطار وتنسيق التمويل لإعادة تطوير غزة وفقا للخطة الشاملة وبما يتفق مع مبادئ القانون الدولى ذات الصلة.
وهذه أول وآخر مرة يذكر فيها قرار مجلس الأمن عبارة مبادئ القانون الدولي».
وإلى أن تتم السلطة الفلسطينية برنامج إصلاحها «على نحو مرض»
وبعد تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية «على نحو أمين»
وتقدم أعمال إعادة تطوير غزة..
.. «قد» تتوافر «الشروط» «أخيراً» لـ «بلورة» مسار «موثوق» نحو «تقرير المصير».. وقيام «دولة فلسطينية»!!
تخيل حجم التحفظات التى تحيط بهذه الإشارة وعمومية المفردات المستخدمة.. مثل «على نحو مرض» مرة.. وعلى «نحو أمين» مرة أخرى فى نفس السياق وعن نفس المهمة.. ثم من، وبأية معايير الذى يحدد النحو المرضى أو النحو الأمين.. وما هى «الشروط» ومن يضعها «التى تقد تتوافر.. ثم بلورة.. وموثوق.. لتنتهى فى النهاية إلى «تقرير المصير» الذى كفله مثياق الأمم المتحدة كحق لجميع الشعوب الخاصعة للاحتلال، وتضمنته عشرات القرارات الدولية والمتعلقة بالشعب الفلسطينى وقضيته على مدى ثلاثة أرباع قرى ويزيد.. ومن أجل قيام «دولة» وليس حتى «الدولة» الفلسطينية وكأن القرار يخترع العجلة، ولا يتحدث عن دولة اعترفت بها قبل قيامها أكثر من ثلثى الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة حتى الآن.
القرار يطوى صفحة عامين كاملين من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى وكأنها لم تحدث، وكأن شيئا لم يكن بل يضع إسرائيل فى كل خطوة من خطوات مستقبل غزة.
القرار يغسل أيدى من أباد ودمر وجوع وخرب، ومن أعانه على الإبادة والتدمير والتجويع والتخريب.
بل وضع فى أيديهم مستقبل القطاع والشعب، لينقلهم إلى السلام والإزدهار!!
لا إشارة فى القرار إلى الضفة الغربية.. قلب أى دولة فلسطينية.. ولا إلى القدس درة فلسطين، ولا استخدم القرار كلمة «الاحتلال» فى أى سطر من سطوره.
وعندما نص القرار على أن ينشء مجلس السلام «قوة استقرار دولية مؤقته» لتأمين المناطق الحدودية، واستقرار «البيئة الأمنية» عبر نزع سلاح غزة، فإنه لم يشر إلى «المقاومة» الفلسطينية باسمها، بل نص على تدمير «البنية التحتية العسكرية» و «الإرهابية» والهجومية، ومنع إعادة بنائها وهو الوصف الذى تستخدمه إسرائيل عند الإشارة إلى المقاومة.
تقترب مساحة المقال من نهايتها، وأنا أتابع مسلسلاً تليفزيونيا من 7 حكايات مستقلة كل حكاية منها تضم خمسا وثلاثين حلقة ويشارك فى كتابته مؤلفون متعددون، وعنوانه: «ما تراه.. ليس كما يبدو»!









