مع إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات أمس النتائج الرسمية للمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب 2025، وهى المرحلة التى شغلت الرأى العام منذ انطلاقها لما حملته من منافسات محتدمة وتحديات تنظيمية غير مسبوقة وجاء تدخل الرئيس السيسى حاسماً فى توقيت دقيق ووجه الهيئة بتطبيق القانون وفحص جميع الشكاوى والطعون التى تم تقديمها من المرشحين ولو وصل الأمر إلى إلغاء المرحلة بأكملها وهو ما نفذته الهيئة الوطنية للانتخابات التى وضعت النقاط فوق الحروف، ليس فقط عبر الكشف عن الأرقام النهائية ونسب المشاركة، ولكن – وهو الأهم – من خلال الإعلان عن إلغاء نتائج الاقتراع فى 19 دائرة انتخابية بعد ثبوت وجود مخالفات جسيمة تستوجب إعادة العملية الانتخابية فيها من البداية.
أكدت الهيئة أن قرار الإلغاء استند إلى تقارير دقيقة وثابتة، أثبتت وقوع تجاوزات إجرائية ومخالفات أثرت على سلامة العملية الانتخابية فى تلك الدوائر، سواء فى إجراءات الفرز أو نقل النتائج أو بعض الممارسات المخالفة التى رصدتها غرف المتابعة. وأوضحت الهيئة أن المساس بنزاهة العملية الانتخابية – ولو فى دائرة واحدة – يمثل خطاً أحمر لا يمكن التهاون معه، حفاظاً على حق المواطنين فى اختيار من يمثله.
الإعلان عن إلغاء 19 دائرة كان له صدى واسع لدى المواطنين والمرشحين على السواء، خصوصاً فى المحافظات ذات الكثافة السكانية العالية أو التى تشهد منافسات عائلية بعد ان تم إلغاء جميع دوائر محافظة قنا ومعظم دوائر محافظة سوهاج، ويعتبر القرار دليلاً على صرامة الهيئة الوطنية وحيادها واستقلاليتها، وأن الإلغاء يؤكد جدية الدولة فى عدم الصمت عن أى تجاوزات ومحاربة أى ممارسات تُخل بنزاهة التصويت.
ومن بين أبرز ما طرحه المؤتمر أن الهيئة حرصت على توضيح أن إعادة الانتخابات فى هذه الدوائر لن تؤثر على استكمال المسار العام للاستحقاق البرلماني، وأنها وضعت جدولاً زمنياً جديداً يضمن عودة الناخبين إلى صناديق الاقتراع فى تلك المناطق بأعلى درجات التأمين والرقابة القضائية.
أما بالنسبة للمرشحين، فقد أحدث القرار حالة من الارتباك لدى البعض، بينما اعتبره آخرون فرصة لإعادة ترتيب الأوراق واستعادة الزخم الجماهيري، خصوصاً أولئك الذين كانوا يواجهون منافسة شرسة أو تكتلات انتخابية معقدة، فالإلغاء يعنى عملياً عودة المعركة إلى نقطة البداية، وكل مرشح سيكون أمامه فرصة جديدة لإعادة صياغة حملته الانتخابية والتواصل مع الناخبين، ولكن فى الوقت ذاته سيحتاج إلى مضاعفة الجهد وتحمّل كلفة مالية وتنظيمية إضافية قد تُثقل كاهل المستقلين بشكل خاص. كما يواجه المرشحون الذين كانوا على وشك الفوز، أو الذين تفوقوا فى الحصر العددى غير الرسمي، حالة من الاحباط، بعدما تجمدت نتائجهم مؤقتاً لصالح إعادة كاملة.
أما المواطنون، فقد شعروا بالراحة والسعادة ورحبوا بالقرار باعتباره خطوة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح بعد أن سرت شائعات طوال الأيام الماضية عن مخالفات أو تجاوزات هنا وهناك، بينما عبر البعض عن قلقهم من تأجيل حسم المقاعد معتبرين أن إعادة التصويت قد تُضعف الإقبال نتيجة الإرهاق الانتخابى أو شعور بعض الناخبين بعدم جدوى الإصرار على المشاركة مجدداً، وقد أكدت، الهيئة أن صوت الناخب هو الفيصل الأول والأخير فى اختيار ممثليه.
مع انتهاء المؤتمر، بدا واضحاً أن نتائج المرحلة الأولى – رغم تحدياتها – قد أعادت إطلاق نقاش واسع حول نظم الانتخابات فى مصر، وضرورة تطويرها بما يتواكب مع حجم المنافسة السياسية وتعدد التيارات والكتل الانتخابية، خاصة فى ظل مجتمع سريع التغير وتوقعات شعبية متزايدة بضرورة تحقيق أكبر قدر من العدالة والشفافية. وستظل الأيام المقبلة حاسمة، ليس فقط فى استعدادات جولة الإعادة فى الدوائر التى لم تُحسم، بل فى التجهيز لإعادة الانتخابات فى الدوائر الملغاة.
قبلها انطلاق المرحلة الثانية من الانتخابات والتى ستشكل اختباراً جديداً لقدرة الهيئة الوطنية للانتخابات على تنظيم عملية أكثر انضباطاً وسلاسة.
بينما تترقب الأوساط السياسية ما ستسفر عنه المرحلة الثانية وجولات الإعادة، يبقى الإعلان عن إلغاء 19 دائرة محطة مهمة فى تاريخ الانتخابات المصرية وتعكس قدراً من الصرامة والنزاهة، وتحتاج إلى معالجة جادة من أجل استكمال بناء مسار انتخابى متكامل يليق بطموحات الدولة والمواطن معاً.









