مصر تمارس حقها فى المشاركة السياسية وإبداء الرأى عبر صناديق الانتخاب منذ زمن بعيد، حتى قبل أن تعرف كثير من دول العالم هذا المبدأ الديمقراطي. ولعل أولى صور الانتخابات التى عرفتها مصر كانت تلك التى أجراها نابليون بونابرت أثناء الحملة الفرنسية عام 1799م، حين نظم انتخابات لاختيار رؤساء الشياخات والمراكز والأقسام، فى محاولة لإدارة البلاد عبر ممثلين محليين.
ومع مرور الزمن، شهدت مصر أول انتخابات برلمانية حقيقية فى عام 1924 عقب صدور أول دستور حديث للبلاد عام 1923، حيث شاركت فى تلك الانتخابات أحزاب كبرى مثل الوفد والأحرار والحزب الوطني، وتمكن حزب الوفد من الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان الذى افتتح رسميا فى 15 مارس 1924. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الانتخابات جزءاً أصيلاً من الحياة السياسية المصرية، تجدد بها الأمة إرادتها وتختار ممثليها.
ورغم أهمية الانتخابات كأداة ديمقراطية لا غنى عنها، فإنها تمثل عبئاً مالياً ضخماً على الدولة، إذ تتطلب نفقات باهظة تشمل مكافآت القضاة والمشرفين وتأمين المقار الانتخابية وطباعة بطاقات الاقتراع وتوفير الحبر الفسفورى ونفقات النقل والإقامة. ووفقا للتقارير الرسمية، فقد بلغت تكلفة انتخابات مجلس النواب عام 2020 نحو 1.6 مليار جنيه، بينما وصلت تكلفة انتخابات مجلس الشيوخ فى العام ذاته إلى 1.5 مليار جنيه، بخلاف ما ينفقه المرشحون أنفسهم على حملاتهم الدعائية التى قد تصل إلى أرقام خرافية.
من هنا يبرز اقتراح دراسة تطبيق نظام التصويت الإلكترونى فى الانتخابات المصرية، كخطوة تتماشى مع التطور التكنولوجى الذى يشهده العالم حالياً، وتسهم فى ترشيد الإنفاق وتعزيز المشاركة الشعبية.
هذا النظام طبق بالفعل فى عدد من الدول مثل الهند وإستونيا والبرازيل والفلبين والإمارات العربية المتحدة «فى انتخابات المجلس الوطنى الاتحادي»، وحقق نتائج إيجابية فى تسهيل العملية الانتخابية وضمان الشفافية وتقليل الأخطاء البشرية.
إن التصويت الإلكترونى يمكن أن يحمل للبلد فوائد هائلة، من أبرزها: خفض كبير فى حجم الإنفاق القومى المرتبط بتنظيم الانتخابات وكذلك تيسير التصويت للمصريين المقيمين بالخارج، وسكان المناطق النائية، والمرضى وكبار السن.وكافة الناخبين بصفة عامة, مما يؤدى الى زيادة نسبة المشاركة نظراً لسهولة الإدلاء بالصوت من أى مكان. وكذلك عدم تعطيل العمل أو الدراسة بسبب تخصيص المقار الانتخابية. ويعمل أيضاً على تسريع إعلان النتائج بدقة وشفافية.
كما يمكن أن يصاحب هذا التطوير إصلاح مكمل فى ثقافة الدعاية الانتخابية، من خلال اقتراح أن توجه نفقات المرشحين إلى مشروعات خدمية تعود بالنفع المباشر على المجتمع المحلى الذى يترشحون لتمثيله، مثل تجهيز فناء مدرسة، أو إنشاء فصول إضافية، أو تمهيد طريق، أو تجميل ميدان.بينما تقوم وسائل الإعلام الوطنى فى المقابل بالتنويه عن هذه المبادرات. وبهذا يتحول التنافس الانتخابى من مجرد سباق دعائى ولافتات وميكرفونات إلى مسابقة فى خدمة المجتمع وبناء الوطن.
إن مصر، بتاريخها السياسى العريق وقدرتها الدائمة على التطوير، قادرة على أن تكون رائدة فى التحول نحو التصويت الإلكترونى فى المنطقة العربية، بما يعزز الشفافية ويخفض النفقات ويفتح آفاقاً جديدة للمشاركة الواعية فى صنع المستقبل. لعلنا ندرس هذا الأمر جيداً فقد يكون فيه خير كثير للبلد.. ومصر كانت دائماً سباقة حين أرادت أن تتقدم وتتطور.









