تقاس قوة العلاقات الدبلوماسية والسياسة الخارجية لأى دولة بمدى تفاعلها وتعاونها مع المنظمات الدولية، فلا يمكن لأى دولة أن تعيش بمعزل عن العالم الخارجي، والدليل على ذلك ما تواجهه روسيا من عزلة اقتصادية ناجمة عن العقوبات الغربية بعد غزو أوكرانيا، فمن خلال دراسة وتحليل الموقف المصرى الخارجي، نجد أن مصر لديها سياسة خارجية ودبلوماسية متزنة وعريقة منذ عقود طويلة، ولديها سجل حافل بالتفاعل مع المنظمات الدولية مما أظهر قوة ترابطها مع هذه المنظمات، هذا الترابط سمح لمصر باستعادة دورها التاريخى المتوازن فى ظل التحديات التى تحيط بها كقوة إقليمية وقوة سلام وقوة استقرار فى المنطقة، والدليل على ذلك ان مصر شريك رئيسى فى أى معادلة تمس الشرق الاوسط، ولكن إسرائيل لا تحظى بهذا القدر من التعاملات الصادقة التى تتصف بها الدبلوماسية المصرية، لانها تتلون طبقا لرغباتها وترفض الانصياع لصوت العقل مما أدى لاستهجان العالم لها ورفض المنظمات الدولية للاسلوب الإسرائيلى والهيمنة الصهيونية التى تستهين بقرارات المنظمات الدولية وتضرب بكافة قرارات الشرعية الدولية عرض الحائط، بالاضافة إلى خرقها لأى هدنة تم الاتفاق عليها، وعدم التزامها بأى مواثيق دولية سعيا لاحتلال الاراضى العربية والهيمنة الإسرائيلية ورفض السلام والسعى لتهجير الفلسطينيين وتغيير خريطة المنطقة بأكملها، وطمس الهوية العربية والاستخدام المفرط لحق الفيتو بمجلس الامن لرفض اى قرارات قد تتعارض مع المصلحة الإسرائيلية، مما ادى الى مزيد من التوترات المتزايدة والمواجهات الدبلوماسية وتراجع العملية السلمية امام شبح التطرف الفكرى والارهاب.
تجدر الاشارة الى ان مصر انضمت إلى الأمم المتحدة كواحدة من الدول المؤسسة للمنظمة فى 24 أكتوبر 1945، حيث حظيت مصر باحترام دولى نظراً لعراقتها الدبلوماسية وتمسكها بالشرعية والقرارات الدولية، كما تستضيف مصر 38 مكتبا للأمم المتحدة، ويعمل بها أكثر من 2300 موظف، وتعد القاهرة أحد المقرات الأساسية للمنظمة،بالاضافة الى ان مصر شاركت فى صياغة ميثاق الأمم المتحدة، ودعمت الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948، كما شاركت مصر تاريخيًا فى بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ، وفازت بعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للفترة 2026 – 2028 فى انتصار جديد للدولة المصرية وجهازها الدبلوماسي، وتجسيدًا لما تحظى به مصر من مكانة مرموقة امام العالم فقد تولى بطرس غالى أمين عام للامم المتحدة فى 1 يناير 1992 لمدة اربع سنوات، كما فازت مصر ممثلة فى د. خالد العنانى برئاسة منظمة اليونسكو، بعد فوزه فى الانتخابات التى أجريت عام 2025 م، حيث حصل مصر على 55 صوتاً مقابل صوتين لمنافسه، وفى هذا الاطار أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن فوز مصر بمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة )اليونسكو( يعد من أبرز الإنجازات التى شهدها شهر أكتوبر، مشيرًا إلى أن هذا الفوز يمثل نجاحًا كبيرًا لمصر وللعالمين العربى والأفريقى بعد عقود طويلة من غياب التمثيل فى هذا المنصب الدولى الرفيع، ولم تكتف مصر بذلك بل وقع الرئيس عبدالفتاح السيسى على «رسالة سلام من مصر إلى العالم»، بما يرمز إلى التزام الدولة المصرية بنهج السلام وصونه، باعتباره خيارًا استراتيجيًا ومبدأً راسخًا فى سياستها الوطنية والدولية، كما اكد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى احتفالية المتحف المصرى الكبير ان الانسان المصرى رسولاً دائما للسلام، وان هذا المتحف منبر للحوار، ومقصد للمعرفة، وملتقى للإنسانية.. ومنارة لكل من يحب الحياة.
موقف إسرائيل فى التعامل مع المنظمات الدولية مختلف، فإسرائيل لا تحترم المنظمات الدولية ولا تتعاون معها، بل على العكس تنسحب منها عندما تعترض هذه المنظمات على سياسية إسرائيل الصهيونية، كما ان المشاكل الإسرائيلية على جدول أعمال المنظمة الدولية بشكل دائم منذ سنوات طويلة بسبب استخدام حق الفيتو، فعندما ظهر نتانياهو بعيون باكية كدموع التماسيح أمام الجمعية العامة للامم المتحدة، مستخدما عبارات واردة فى الكتاب المقدس تفيض بالحسرة والأسى تقول « انتم القادة هنا حولتم الخير الى شر والشر الى خير» فوجيء بانسحاب عدد كبير من الدول مع بداية خطابه تعبيراً عن رفضهم للسلوك والخداع الإسرائيلي، فإسرائيل انسحبت من منظمة اليونسكو رسميًا فى 31 ديسمبر 2018، تماشيًا مع الانسحاب الأمريكي، بحجة انحياز المنظمة ضدها ،واتهمت إسرائيل اليونسكو بأنها «مسرح للعبث يشوه التاريخ بدلاً من الحفاظ عليه «، كما أصدرت محكمة العدل الدولية سلسلة من القرارات التاريخية التى تُلزم إسرائيل بوصفها قوة احتلال بوقف تطبيق قوانينها على الأراضى الفلسطينية المحتلة، كما اصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل ووزير دفاعه السابق يوأف غالانت بتهم تتعلق بــ»ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كما رفضت المحكمة طلب إسرائيل إلغاء مذكرات اعتقال وتعليق التحقيق ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقالت محكمة العدل الدولية، انه لا يحق لإسرائيل وقف تعاونها مع الأمم المتحدة باتخاذ قرار أحادى فيما يخص انشطة الوكالات الأممية، وطالبت المحكمة من إسرائيل احترام مبدأ عدم انتهاك مكاتب الأمم المتحدة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة وألا تتدخل فى مهامها، وأكدت محكمة العدل الدولية، أنه لا يحق لإسرائيل تطبيق قوانينها الداخلية على الأراضى الفلسطينية المحتلة، أو منع الفلسطينيين من ممارسة حقهم فى تقرير مصيرهم، كما دعا مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، فو تسونج، إسرائيل إلى وقف عملياتها العسكرية ضد سوريا والانسحاب الفورى من الأراضى السورية، وتوالت زيارات كبار المسئولين الدوليين لمعبر رفح، مثل زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، ووفد من مجلس الشيوخ الأمريكي، والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون. حيث اكدت مصر عدم اغلاقها للمعبر كما روجت بعض الجهات المغرضة.
إسرائيل لم تنفذ القرارات الصادرة ضدها من الامم المتحدة، فخلال الفترة ما بين 2015 و2022 أصدرت الهيئة العام للأمم المتحدة 140 قرارا ضد إسرائيل، منهم القرار رقم 242 الذى طالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى العربية التى احتلت عام 1967، والقرار رقم 2334 الذى يؤكد أن بناء المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة غير قانوني، ويحث على وقف جميع الأنشطة الاستيطانية.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن العالم يجب ألا يخشى ردود الفعل الإسرائيلية، فى ظل مواصلة إسرائيل حربها على قطاع غزة وسعيها لضم الضفة الغربية تدريجيًا، فقد أعرب الأمين العام للأمم المتحده عن قلقه حول «الانتهاكات الواضحة للقانون الدولى الإنسانى فى غزة، وفى المقابل أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش شخص غير مرغوب فيه بإسرائيل، مما يعنى فعليًا منعه من دخول البلاد ردًا على ما وصفه كاتس بفشل جوتيريش فى إدانة هجوم إيران على إسرائيل ودعمه للمنظمات الإرهابية، كما أخطرت إسرائيل الأمم المتحدة رسميا بإلغاء الاتفاقية التى تنظم علاقاتها مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» منذ عام 1967 بعد إقرار الكنيست الإسرائيلى تشريعا يحظر عملها، وهكذا اصبحت إسرائيل «دولة مارقة» لرفضها الالتزام بالقوانين والشرائع الدولية، وسعيها للقتل والتدمير والابادة الجماعية والاستيلاء على الاراضى العربية ومهاجمة المنظمات الدولية حتى فقدت قوتها الناعمة وفقدت تعاطف الدول الغربية معها وظهر ذلك من خلال تصريحات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الذى قال ان إسرائيل تقوم بتدمير صورتها ومصداقيتها بالكامل ودعا الرئيس ماكرون، إلى وقف تسليم الأسلحة التى تستعملها إسرائيل فى غزة، كما قال الرئيس الإسرائيلى يتسحاق هرتسوج بعد ثلاثين عاما وما زلنا نرى نفس العلامات : « لغة سامة ووقحة، اتهامات بالخيانة، تحريض وانتشار للكراهية والعنف فى الشوارع وعلى المنصات الرقمية، هذا التأكل هو تهديد استراتيجى للدولة، ونحن على حافة الهاوية « وهو ما اكده الرئيس الامريكى دونالد ترامب بقوله « انا نشأت فى عالم تدور فيه السياسة حول إسرائيل، فكلمة واحدة سيئة عن إسرائيل كانت تبعدك عن السياسة، ولكن الولايات المتحدة الآن ما زالت تدعم إسرائيل ولكن بشكل أقل، فأنا الآن تعرضت لعدة مشكلات بسبب دعمى لإسرائيل «، كما اتخذت إسبانيا خطوات تصعيدية مثل الاعتراف بدولة فلسطين، الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، فرض حظر على استيراد منتجات المستوطنات، ووقف تصدير الأسلحة، كما علقت بريطانيا محادثات التجارة الحرة مع إسرائيل واستدعت سفيرتها، وفرضت عقوبات على مستوطنين بالضفة الغربية، وطالب آلاف البريطانيين فى احتجاج بمدينة برمنجهام البريطانية بمنع إسرائيل من المشاركة فى مباريات كرة القدم الدولية، بالاضافة إلى مظاهرات النمسا وعدد من الدول الاوروبية التى تطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل.
مصر لها دور هام وفعال فى مواجهة واظهار حقيقة اكاذيب إسرائيل امام العالم من اجل مساندة ودعم القضية الفلسطينية على اساس حل الدولتين، حيث استضافت العديد من اللقاءات الدولية، واكدت فى اكثر من مناسبة على ضرورة اقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية من اجل تحقيق السلام، وتبنت دول العالم والمنظمات الدولية رؤية مصر نظراً لما لديها من خبرة ومتابعة للقضية الفلسطينية بشكل يفوق أى دولة اخري، فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة يوم 12 سبتمبر 2025 «إعلان نيويورك» الرامى لإعطاء دفع جديد لــ «حل الدولتين» فى النزاع الفلسطينى – الإسرائيلى مع إقصاء حماس، حيث ايدت الامم المتحدة بأغلبية ساحقة إعلان حل الدولتين، وصوتت 142 دولة مقابل 10 أصوات ضد، و 12 دولة امتنعت عن التصويت، ويقوم هذا الحل على أساس دولتين تعيشان مع : دولة فلسطين إلى جانب إسرائيل، طبق ا لقرار مجلس الأمن 242 بعد حرب 1967، كما جدد الاتحاد الأوروبى التزامه بالقانون الدولي، وبالسلام الدائم والشامل القائم على حل الدولتين، ولكن التعسف الإسرائيلى سيطر على مجريات الامور والاحداث، فمصر والمنظمات الدولية وشعوب العالم رفضوا ما تقوم به إسرائيل من ابادة جماعية مما ادى الى تقلص القوى الناعمة الإسرائيلية وانتشار الاغانى الوطنية الفلسطينية وارتداء معظم الشباب الاوروبى للشال الفلسطينى فى ارجاء اوروبا وبداخل اروقة الامم المتحدة، ولم يعد لإسرائيل مكانة دولية فى ظل الكراهية الشعبية التى احاطت بها من كل دول العالم، واصبحت العلاقة بين إسرائيل ومنظمات الامم المتحدة متردية، وكان لمصر دور كبير فى كشف الكذب والزيف الإسرائيلى الذى يسعى دوما لتغيير خريطة الشرق الاوسط واعادة رسمها، والسعى لتهجير الفلسطينين من ارضهم فى ظل المذابح الإسرائيلية وسياسة التجويع وهدم البيوت والمنازل وقتل الاطفال والنساء وتدمير البنية الاساسية، وفى المقابل اكتسبت مصر الاحترام الدولى لدورها الفعال وسعيها للتمسك بالشرعة والقانون الدولي، فقرارات مصر يتم التصويت عليها فى المنظمات الدولية بدون تردد لقوة مصر ومساندتها للشرعية الدولية، يأتى هذا الاحترام لمصر مقابل الاستهجان العالمى لإسرائيل، حيث كانت إسرائيل تشيع انها تحارب من اجل انقاذ الحضارة من براثن الكراهية والظلام، وانها تساعد الدول الغربية والمنظمات الدولية فى مواجهة الارهاب، ولكن الشعوب الغربية استشعرت الغضب الاسود الكامن فى العقليات الصهيونية، واظهرت الارهاب الصهيونى الذى يريد تدمير المعالم العربية والاسلامية وتغير خريطة الشرق الاوسط والمواجهة باسم الدين، مما أدى إلى انتشار جمعيات حقوق الانسان للدفاع عن الفلسطينيين، واعلنت وقتها 41 منظمة دولية ان استمرار إسرائيل فى منع دخول المساعدات إلى غزة يقوض اتفاق وقف إطلاق النار ويهدد الأرواح، ولم تسلم منظمات الاغاثة من العدوان الصهيونى حيث سعت إسرائيل لفرض سيطرتها الكاملة على عمل المنظمات الإنسانية الدولية فى قطاع غزة والضفة الغربية، وفقدت إسرائيل باسلوبها المتعالى والمتعجرف كافة اشكال احترام وتعاطف المجتمع الدولى معها، وخسرت قوتها الناعمة وجزءًا مهمًا من قدراتها الشاملة لسنوات طويلة قادمة، مما دفع هذه الدول والمنظمات إلى المطالبة بعزل إسرائيل ومعاقبتها وقطع المساعدات عنها وعن المنظمات الصهيونية الداعمة لها.









