التلاقى بين الحضارات والتواصل بين الأديان سيظل مستمراً حتى تقوم الساعة.. ومبادرات أصحاب الإرادة الشجاعة من محبى السلام ونشر العدالة بين الجميع ستظل تحمل الأمل فى غد أفضل يعيش فيه الإنسان مع أخيه الإنسان المخالف له فى الجنس واللغة والعقيدة وسط حياة آدمية إنسانية كريمة بعيداً عن قانون الغاب وقتل القوى للضعيف.. لا أدرى لماذا جاءتنى هذه الكلمات وأنا أتابع الخبر الأهم والأبرز فى مصر والعالم فى الأيام الأخيرة وهو استقبال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين للمفكر العالمي، البروفيسور جيفرى ساكس، أستاذ الاقتصاد ورئيس مركز التنمية المستدامة بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة وأحد أبرز المفكرين حول العالم، ومن أبرز الأصوات المعروفة بمواقفها المنصفة تجاه قضايا العالم الإسلامي، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية والأحداث الجارية فى غزة، بمنزل فضيلته بـ«القرنة» بمحافظة الأقصر.. اللقاء أحدث حالة واسعة من التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعى حيث أبدى الآلاف إعجابهم الشديد بالهيئة البسيطة التى ظهر عليها الإمام الأكبر أثناء اللقاء والذى تم فى منزله البسيط بقريته بالأقصر بعيداً عن البروتوكولات الرسمية المعتادة.. وهكذا نقل الإمام الأكبر صورة حقيقية واقعية للعالم والمفكر الإسلامى البسيط والمتواضع للعالم أجمع ليؤكد من جديد على سماحة وبساطة الدين الحنيف.
اللقاء لم يكن ودياً فى شكله وهيئته فقط بل امتد أيضاً للموضوع أو جوهر اللقاء.. أحاديث ودية دارت بين الإمام الأكبر والبروفيسور جيفرى ساكس حول أبرز المستجدات على الساحة العالمية، لا سيما التحديات التى تواجه المنطقة؛ وأعرب شيخ الأزهر عن تقديره لمواقف البروفيسور جيفرى ساكس وكتاباته المنصفة، خاصة فيما يتعلق بغزة وفلسطين، التى تنم عن عقلية حكيمة، تدرك جيدًا بأن رسالة الأديان كلها تدعو لمناصرة المستضعفين بغض النظر عن دين أو جنس أو عرق، وإلى تعزيز التعايش الحقيقى المبنى على أساس المساواة والحقوق والكرامة الإنسانية.
أما البروفيسور جيفرى ساكس، فقد بدا أكثر سعادة باللقاء وأكثر امتناناً لحرص إمام المسلمين على استقباله فى منزله البسيط بمسقط رأسه وبين أهله وناسه.. وأكد ساكس تقديره الكبير لمواقف فضيلة الإمام الأكبر الشجاعة فى نشر السلام العالمى والأخوة الإنسانية، مؤكدًا أن صوت الإمام الطيب يمثل صوت الحق والإنسانية، وعلى العالم أن يستمع لرؤاها جيدًا، مؤكدًا اعتزازه فى الوقت ذاته بهذه الزيارة إلى مصر والأقصر، وسعادته بزيارة الجامع الأزهر الشريف، هذا الصرح العلمى الرائد الذى يشع نورًا وعلمًا للعالم كله. وقال البروفيسور جيفرى ساكس: الجامع الأزهر واحد من أكثر أماكن العبادة تفردًا وخصوصية.
وقبل ذهابه إلى الأقصر ولقاء فضيلة الشيخ الطيب زار البروفيسور جيفرى ساكس الجامع الأزهر واصطحبه الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، فى جولة تفقدية داخل الجامع الجامعة تعرّف خلالها على النشاط الفكرى والعلمى بالجامع، إلى جانب الأنشطة العلمية للرواق الأزهري، وشاهد حلقات تحفيظ القرآن الكريم ودروس العلوم الشرعية والعربية، واستمع إلى شرح تفصيلى حول هذه الأنشطة ودورها فى ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال وتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى رواد الجامع الأزهر الشريف، الذين يفدون إليه من مختلف دول العالم، مما يجعله منبرًا عالميًا لنشر ثقافة الاعتدال والوسطية.
وأعرب البروفيسور ساكس عن بالغ سعادته بهذه الزيارة، موجّهًا الشكر لفضيلة الإمام الأكبر على منحه الفرصة لزيارة الجامع الأزهر، أحد أعرق وأقدم المساجد فى العالم الإسلامي، مؤكدًا أن الجامع الأزهر هو أحد أجمل أماكن العبادة التى رآها فى حياته وأكثرها تفرّدًا وخصوصية. كما ثمَّن ما شاهده من نشاط علمى وثقافى داخل الجامع، وأبدى إعجابه بما رآه من زخارف إسلامية تزيّن أركانه، والتى تعكس عراقة الفن الإسلامى وتميّزه بجمالياته الفريدة.
ساكس له سجل حافل من الآراء العادلة المنصفة للقضية الفلسطينية وظل طوال حرب غزة يشن هجوماً عنيفاً على عصابة تل أبيب وقال إن ما تقوم به إسرائيل أفعال ليست قانونية وقتل الفلسطينيين يتم تحت دعم الولايات المتحدة، وما نراه اليوم هو عملية استمرار للإمبريالية التى بدأت ببريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة، وهذا يقدم الظلم وغياب العدالة للشعب الفلسطينى.
وقال ساكس «الشخص قد يكون مصدومًا أمام ازدواجية المعايير التى قامت بها بريطانيا، إذ قامت بوعد العرب بفلسطين، ومن ثم لفرنسا ومن ثم اليهود، فبريطانيا وعدت بالأرض التى لا تملكها لأكثر من شخص، ونحن الآن بعد أكثر من 100 عام يجب حل هذه المعضلة». وتوقع ساكس أن يكون هناك اعتراض وصدام على مستوى العالم محوره سؤال كيف فى عام 2025 وبعد نحو 100 عام من الانتداب البريطانى نعطى الولايات المتحدة انتداباً جديداً على غزة؟ لكنه أشار إلى أن هناك حكومات تشعر بالخوف «لا تقوموا بإزعاج ترامب».
وختاماً تحية لفضيلة الإمام الأكبر الذى يفاجئنا كل يوم بمواقف ومبادرات بناءة ورائدة تعزز من سماحة وعالمية الدين الإسلامى وصلاحيته لكل زمان ومكان.









