هل أنت كما تحبّ أن يراك الناس؟ هل تعيش حقيقتك أم تقدم نسخة مزوّقة من نفسك؟ وهل يتطابق واقعك الداخلى مع الصورة التى رسمتها عن هذا الواقع فى مخيلتك؟ وهل ما تقوله أمام الآخرين هو فعلًا ما تدور به نفسك حين تخلو بذاتها؟
إنها أسئلة شائكة، لكنها معيار دقيق لمدى قدرتنا على الصدق والتجرّد. فهل تملك الشجاعة للدفاع عما تعتقد أنه الحق دون أن تنظر لردود أفعال الناس؟ وهل تستطيع أن تُجمّد أهواءك، وتُحيد مشاعرك، وتتمرّد على رغباتك التى قد تقودك نحو الوهم؟ ثم هل تحب الخير للناس، قريبِهم وبعيدِهم، بالقدر الذى تتظاهر به؟ وهل تكره الشر فعلًا، أم أنك تفعل ذلك إذا كان مناسبًا لمظهرك الاجتماعى فقط؟
أمام هذه الأسئلة يبدو الإنسان كمن يقف أمام مرآة صافية لا تخفى شيئًا. فهل سبق لك أن نظرت إلى نفسك يومًا دون مساحيق اجتماعية أو أعذار جاهزة؟ هل وبّخت ذاتك كما تستحق، وواجهتها بما تُخفيه أنت قبل أن يُخفيه الناس؟ وماذا عن احترامك لنفسك، ولمعتقداتك، ولمجتمعك، ولوطنك؟ هل تحب ما تفعل حقًا؟ وهل تقول ما تؤمن به بلا مواربة، أم أنك تردد ما يرضى الآخرين فقط؟
هذه الأسئلة لا تحتاج إلى إجابات مكتوبة، لأنها أصلاً ليست أسئلة للآخرين، بل محادثة صامتة بين الإنسان وضميره. هى ضرورة للعيش بسلام داخلي، لا اختبارًا ولا امتحانًا. ففى كل موقف أكرر سؤالًا واحدًا لنفسي: هل هذا فعلاً قراري؟ أم أننى مجرد تابع، أسير خلف القطيع، أحسن إن أحسنوا، وأسيء إن أساءوا؟
الطريف أننا جميعًا نعتقد أننا مختلفون، وأن ما نقوله عن أخطاء المجتمع لا ينطبق علينا، بل على الآخرين فقط. نتحدّث كثيرًا عن زلات من سبقونا ومن ينافسوننا، ثم نقع فيها بلا تردد. نطالب الناس بالتجرّد فى أقوالهم وأفعالهم، بينما نتهرب من تطبيق ذلك على أنفسنا. نحث المجتمع على الاقتصاد فى الاستهلاك وتقليل المظاهر، لكننا نظن أننا استثناء لا تنطبق عليه النصائح.
نذكّر الآخرين بأن الدنيا فانية والعمر قصير، لكننا نخوض معارك شرسة من أجل منصب أو مكسب نعرف مسبقًا أنه زائل. هذه الازدواجية أصبحت حالة عامة؛ لا تُثير الدهشة ولا تستدعى التأمل، لأنها ببساطة أصبحت جزءًا من نمط حياة كثيرين. بات اهتمام الناس بما يقوله الآخرون عنهم يفوق اهتمامهم بحقيقتهم هم، حتى صار المجتمع يشتكى من كل شيء وينتقد كل شيء، لكنه لا يعترف أبدًا بمسؤوليته الشخصية عن أى شيء.
ومن الغريب أن معظم الذين يشتكون لم نسمع أحدًا منهم يعترف يومًا بأنه محدود الإمكانيات أو ضعيف المهارات. الجميع عبقرى ومظلوم وعبقريته غير مقدرة! وهذا الاعتقاد يولّد فجوة مؤلمة بين الواقع والتصور، وبين الحقيقة والخيال، فينعكس ذلك على السلوك الفردى والاجتماعى بظواهر سلبية كثيرة.
قد تبدو هذه الأسئلة وقحة عند البعض، وغريبة عند البعض الآخر، لكن الحقيقة أن مواجهة الذات أصعب من مواجهة العالم كله. لذلك لن ألتفت إلى ما يُقال، لأن الانشغال بآراء الناس استنزاف للطاقة، وسراب يمنع الإنسان من رؤية خطواته الحقيقية.
فنحن غالبًا نقع فى فخاخ «كأن» المنتشرة فى كل زاوية من حياتنا.
كأنك تعمل وتضحي،
كأنك تفكر وتتأمل،
كأنك تحب الخير وتكره الشر،
كأنك تؤمن بالله وتتوكّل عليه،
كأنك تمارس الإيجابية دون شرط،
كأنك تصلى وتعبد وتشِيع الخير بإخلاص…
حتى يصبح الإنسان نفسه مجرد «كأن». يعيش وكأنه سعيد، وكأنه مقتنع، وكأنه راضٍ، بينما فى داخله صراع لا ينتهي. والأسوأ حين يصبح التمثيل ذاته تمثيلًا؛ فيتحول الإنسان إلى نسخة لا يعرفها ولا يعرف حقيقتها.
إن تجميد الهوى ليس سهلاً، لكنه الطريق الوحيد لعيش حياة حقيقية. أن تسأل نفسك بصدق:
هل أنا كما أظن؟
هل أنا كما أظهر؟
هل أنا كما أريد، أم كما يريد الناس أن أكون؟
إن الإجابة الصادقة وحدها هى التى تمنح الإنسان احترامه لنفسه، وتعيد الاتساق بين ما يفكر به وما يقوله وما يفعله. أما الحياة التى تقوم على «كأن» فهى حياة ناقصة، مهما بدت مكتملة فى عيون الآخرين









