تسعى الدولة خلال السنوات الأخيرة إلى بناء منظومة متكاملة للأمن الغذائى، لا تقتصر على زيادة الإنتاج الزراعى فحسب، بل تمتد لتشمل تطوير قدرات التخزين والتصنيع المحلي، ضمن استراتيجية شاملة لتوطين الصناعات المغذية للغذاء وتأمين الاحتياطى الاستراتيجى من السلع الأساسية.
و جاءت موافقة مجلس الوزراء على تأسيس شركة «فيرم مصر» لتصنيع مكونات الصوامع كخطوة جديدة ومهمة فى مسار توطين صناعة تكنولوجيا تخزين الحبوب داخل البلاد، بالشراكة بين شركة سامكريت المصرية وشركة فيرم البولندية، لتكون الذراع الوطنية فى هذا المجال الحيوي.
المشروع الجديد يترجم رؤية القيادة السياسية فى أن تكون مصر مركزًا إقليميًا لتخزين الحبوب، ويعزز من قدرتنا على تحقيق الاكتفاء الذاتى من بعض السلع الاستراتيجية وضمان استقرار الأسواق، فالرئيس عبدالفتاح السيسى حريص على أن يكون غذاء المصريين فى أمان والصوامع أحد أهم وسائل تحقيق ذلك.
كما ستقوم «فيرم مصر» بإنتاج مكونات صوامع الحبوب محليًا بنسبة تصنيع تصل إلى 80 ٪ خلال 3 سنوات، مع التزامها بتوريد مكونات صوامع بسعة إجمالية تبلغ 1.4 مليون طن خلال نفس الفترة، بالعملة المحلية، وبدون تغيير فى الأسعار طوال مدة التوريد.
المشروع الجديد يعد نموذجًا ناجحًا للتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والشركاء الدوليين فى توطين الصناعات الاستراتيجية، كما أكد الدكتور شريف فاروق وزير التموين ، وسيضمن بأن تكون نسبة العمالة مصرية 100 ٪، دعمًا لجهود الدولة فى بناء القدرات المحلية ونقل الخبرات الفنية والتكنولوجية إلى الشباب المصري.
المشروع كما يصفه يمثل تحولاً استراتيجيًا نحو تقوية البنية التحتية لمنظومة الغذاء، وتقليل الاعتماد على الخارج فى واحدة من أهم الصناعات المرتبطة بالأمن القومي، إلى جانب خفض تكلفة إنشاء الصوامع وتقليص الفاقد من الحبوب والمحاصيل.
مجدى الوليلى، عضو غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية، يضيف إن تأسيس شركة «فيرم مصر» لتوطين صناعة الصوامع بأنه قرار تأخر كثيرًا لكنه يأتى فى التوقيت المناسب، مع تصاعد التحديات العالمية المتعلقة بالغذاء.
وأوضح الوليلى أن توطين صناعة الصوامع يحقق فوائد اقتصادية مباشرة،أبرزها وقف نزيف العملة الصعبة الناتج عن استيراد هذه المكونات من الخارج، وخلق فرص عمل جديدة، وتعظيم القيمة المضافة للمواد الخام المحلية مثل الحديد والصلب.
يضيف الوليلى: إننا فى مصر لا نحتاج إلى إعادة اختراع العجلة، بل إلى استيراد التكنولوجيا لا المنتج النهائي. الهدف ليس فقط التوفير المالي، بل بناء قاعدة صناعية تمتلك المعرفة والإمكانيات وتحقق قيمة مضافة حقيقية.»
أشار الوليلى إلى أن نسبة المكوّن المحلى فى المشروع قد تتجاوز 80 ٪، وتشمل المواد الخام والعمالة والطاقة والنقل والتعبئة، مما يعكس أثرًا اقتصاديًا واسعًا يتجاوز حدود الصناعة نفسها.
كما أكد أن الاتفاق الأخير على توريد مكونات صوامع بسعة 1.5 مليون طن خلال ثلاث سنوات يمثل خطوة مهمة لتغطية الاحتياجات المحلية وتعزيز قدرات التخزين الاستراتيجى للدولة.
لفت الوليلى إلى أن الاعتماد السابق على الشون الترابية كان يؤدى إلى فاقد كبير فى المحاصيل الأساسية مثل القمح، وصل فى بعض السنوات إلى 40 ٪، بسبب سوء التخزين والتعرض للعوامل الجوية. ومع ارتفاع أسعار القمح عالميًا وتجاوزها حاجز 10 آلاف جنيه للطن، فإن أى نسبة فاقد تعنى خسائر ضخمة للدولة والمزارعين.
وشدد على امتلاك مصر الخبرات والكفاءات الفنية التى تؤهلها للريادة فى هذا المجال إذا ما تم الاستثمار الجاد فى التكنولوجيا والتدريب، مشيرًا إلى أن المشروع سيعزز كذلك من قدرات مصر التصديرية نحو الأسواق الإقليمية، لا سيما فى الشرق الأوسط وإفريقيا.. ويرى أحمد منصور، نائب رئيس لجنة التصدير بجمعية رجال الأعمال المصريين، أن مشروع توطين صناعة الصوامع يمثل نقلة نوعية فى إدارة احتياجات الدولة الغذائية، ويعكس توجهًا حكوميًا واضحًا نحو تحقيق الأمن الغذائى المستدام.
قال منصور ان الشراكة المصرية البولندية ستسهم فى نقل التكنولوجيا الحديثة إلى السوق المحلية، بما يعزز كفاءة التصنيع وجودة المنتج.
أضاف إن المشروع الجديد سيخفض تكلفة إنشاء الصوامع ويزيد القدرة التخزينية باستخدام تكنولوجيا متطورة تحافظ على جودة الحبوب لفترات طويلة، بفضل أنظمة التهوية والتبخير والتدوير الحديثة.
لفت منصور الى أن المشروع يفتح الباب أمام مشاركة أوسع للشركات الوطنية العاملة فى الصناعات المغذية، مثل الكابلات والمعدات الهندسية والأنظمة الكهربائية، ما يعزز من تكامل سلاسل القيمة الصناعية فى السوق المصرية.
أوضح أن الصوامع الجديدة لن تقتصر على القمح فقط، بل ستشمل الذرة والفول واللوبيا والعدس، مما يمنح الدولة مرونة أكبر فى إدارة المخزون الاستراتيجى للسلع الزراعية المختلفة، ويتيح إدارة أكثر كفاءة لاحتياجات السوق المحلي.
وكشف منصور أن إضافة طاقة تخزينية جديدة تبلغ نحو 1.5 مليون طن ستعزز قدرة الدولة على إدارة احتياجاتها الغذائية بشكل مستدام، لا سيما فى ظل التوسع فى مشروعات مستقبل مصر والدلتا الجديدة والريف المصري، التى تضيف مساحات زراعية ضخمة إلى الرقعة القومية.
أشار إلى أن المشروع سيحفز المزارعين على التوسع فى زراعة المحاصيل الاستراتيجية من خلال ضمان وجود منظومة تخزين وتسويق آمنة وفعالة، الأمر الذى ينعكس على تقليص فاتورة الاستيراد من الحبوب والبقوليات، والتى تمثل حاليًا نحو 70 ٪ من احتياجات البلاد.
شدد أنه مع توفر الصوامع الحديثة، يمكن للمزارع أن يزرع وهو مطمئن أن محصوله سيجد مكانًا آمنًا للتخزين دون تلف أو فقد، وهذا جوهر الاستدامة الزراعية والغذائية التى تسعى الدولة لتحقيقها.»
من جانبه، أكد شريف المنشد، عضو الجمعية المصرية لصناعة التقاوى والمدير التجارى لشركة «هاى تك» الدولية للبذور الزراعية، أن مشروع توطين تكنولوجيا تخزين الحبوب يمثل إضافة تنموية واقتصادية بالغة الأهمية، كونه يسهم فى رفع كفاءة إدارة المخزون القومى وتقليل نسب الفاقد.
وأوضح المنشد أن وسائل التخزين التقليدية كانت تتسبب فى فقد يتراوح بين 20 و25 ٪ من إجمالى الحبوب المخزنة، مشيرًا إلى أن إنشاء صوامع حديثة مجهزة وفقًا لأحدث المعايير العالمية سيؤدى إلى خفض هذا الفاقد بدرجة كبيرة، ما يحقق وفرًا اقتصاديًا واضحًا للدولة.
وأضاف أن إحلال المنتج المحلى محل المستورد سيساعد على تخفيف الضغط على العملة الصعبة وتعزيز تنافسية الصناعة الوطنية، مؤكدًا أن المشروع يتماشى مع خطط الدولة للتوسع فى الرقعة الزراعية بمشروعات مثل «مستقبل مصر» و»الدلتا الجديدة»، ويضمن إدارة أكثر كفاءة للمخزون الاستراتيجى واستقرار الإمدادات الغذائية طوال العام.
وأشار المنشد إلى أن امتلاك الدولة لمنظومة تخزين متطورة يمنحها مرونة أكبر فى التفاوض على أسعار المحاصيل، كما يفتح الباب أمام فرص تصديرية جديدة فى الأسواق الإقليمية.
وتابع قائلا: جميع دول العالم باتت تعتبر التخزين الذكى جزءًا من منظومة الأمن الغذائى الوطني، خاصة فى ظل تقلبات الأسواق والأزمات العالمية المتكررة.
ونوّه إلى أن نجاح مشروع توطين تكنولوجيا التخزين سيسهم فى بناء منظومة متكاملة تبدأ من الإنتاج المحلي، مرورًا بالتصنيع، وصولًا إلى التخزين الأمثل، بما يعزز من كفاءة الاقتصاد القومى ويحقق مستهدفات التنمية المستدامة.









