(اطلب من الله ألا أكون أفضل من فى مهنتي، ولكن، أن أكون مختلفا) هكذا كتب الفنان محمد صبحى على صفحته الخاصة متمنيا ان يكون معبرا عن نفسه وأفكاره ورؤيته للفن، ولم يكن واهما فى هذه الأمنية، أو متعاليا، فقد كان اول دفعته فى معهد المسرح بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف وهو ما أهله ليصبح معيدا فى المعهد يشارك فى تعليم الاجيال التى جاءت بعده، لكنه لم يستمر فى المعهد،فقد كان صاحب مشروع وفكر ورؤية لدور الفن وأهميته فى المجتمع مع صديقه وزميل الدراسة لينين الرملي، الذى اختار التعبير عن الحياة من خلال الكتابة، وليؤسس الاثنان معا (ستوديو 80) ليقدما من خلاله المسرح الذى حلما به وقتها، ولتبدأ معرفتنا بهما كجمهور من مسرحيات مختلفة بداية من الاسم الى المحتوى والأسلوب (تخاريف) و(الهمجي) و(أنت حر) و(وجهة نظر) وغيرها من المسرحيات التى كانت الكوميديا فيها مغلفة بالسخرية التى تداعب مفارقات الحياة وتتحدى مرارتها، واستمر صبحى ولينين فى طريقهما بعدما اصبح لمسرحهما صوت وصدي، خاصة بعد ان وصل الى جمهور عريض من خلال عرض مسرحياتهما فى التليفزيون وهو ما أضاف لهما الكثير من المحبين الذين وجدوا فى هذا المسرح اختلافا حقيقيا، وانفصل الصديقان، وذهب كل منهما إلى العمل وحده، ليجد صبحى نفسه فى وسط أشكال فنية متعددة غير المسرح فنه الأول، وليصل إلى الناس أيضا عبر السينما، والمسلسلات التليفزيونية، وليقدم أعمالاً مهمة تركت تأثيرا كبيرا على أجيال من الجمهور، بداية من الذين احبوا مسرحياته الأولى مع لينين، إلى أبنائهم الذين كبروا معه وهو يقدم لهم سلسلة (يوميات ونيس) أطول مسلسلات التليفزيون المصرى فى تاريخه (ثمانية أجزاء بدأت فى التسعينيات وانتهت عام 2013 بعد ان تحول البطل من أب إلى جد) وإلى الآن، لا يزال مسلسل (يوميات ونيس) الذى كتبه مهدى يوسف ومحمد صبحى هو الأهم فى تقديمه لدراما الاسرة كعائلة تتشكل وفقا لقيم المجتمع وظروفه، وما زال ونيس وزوجته (الممثلة القديرة الراحلة سعاد نصر) وأولادهما هما الصورة الاهم للأب والأم على شاشة الدراما التليفزيونية، ففيه نرى الأب شخصية منضبطة يعرف جيدا القيم والعادات، ويريد تربية أبنائه تربية مثالية، ولكنه يواجه من أجل هذا مشاكل عديدة من قبل الآخرين فى مجتمعه، وهو ما يكشف له حقائق غائبة، وان هناك من الكبار من يحتاج للتربية أصلا برغم موقعه، وهو ما يدخله فى مشاكل متتالية لحماية أولاده، وقد حقق نجاح الأجزاء الأولى من المسلسل رغبة لدى الفنان الكبير فتم تحويله إلى مسرحية ضمت كل أبطاله من الكبار والصغار فى تجربة فريدة عام 1997، لكنها توقفت بعدها، ليستمر المسلسل على شاشة الدراما بنجومه مع الكاتب مهدى يوسف والمخرج أحمد بدر الدين ومعهما محمد صبحى مشاركا فى الكتابة والإخراج، وممثلا بالطبع ومعه سعاد نصر وجميل راتب وسامح الشجيع وهدى هانى وفادى خفاجة وريم احمد وآخرون (خارج الأسرة) مثل نادية عزت وشعبان حسين ومحمود أبوزيد وعزة لبيب ومجدى صبحى ويوسف داوود وعبدالله مشرف وعدد كبير آخر من الممثلين المقتدرين الذين ظهروا- وفقا لتطور السيناريو والأحداث- فى أجزاء مختلفة من هذا المسلسل الأطول فى تاريخ الدراما. مثل زوزو نبيل وعبدالمنعم مدبولى ومحمد رضا وحسين الشربينى وحسن مصطفى وليلى فهمى وعلاء ولى الدين وغيرهم.
ومسرح مدينة سنبل
هاللو شلبي، كانت المسرحية التى تعرف فيها محمد صبحى على فن المسرح وهو ما زال فى بدايات الشباب عام 1969، وبعدها قرر ان يكون المسرح هو طريقه برغم حجم الدور الصغير، ليبدأ رحلته المسرحية بعد سنوات قليلة، فيقدم (انتهى الدرس يا غبي) و(على بيه مظهر) و(هاملت) من 1975 إلى 1977 ويقفز بعدها إلى (أنت حر) ونجاحها الكبير مع صديق رحلة المسرح لينين الرملي، وبعدها يستكمل رحلته منفردا الى اعمال مثل، ماما امريكا، لعبة الست، كارمن، وفى السنوات الاخيرة يقدم مسرحيات مثل (غزل البنات) المأخوذة عن الفيلم الشهير لنجيب الريحاني، وفى العام التالى (2018) يقدم مسرحية بعنوان (خيبتنا)، وبعدها (أنا والنحلة والدبور 2019) وعام 2020 يقدم (عمر من البهجة)، وبعدها فى 2021 (نجوم الظهر) ليصل إلى العام 2022 فيقدم لنا مسرحية بعنوان (عيلة أتعمل لها بلوك) وكل هذه الأعمال عرضت على مسرحه بمدينة سنبل الذى أقامه وقدمه لنا كنموذج لعلاقة الفن بالحياة، وعلاقة الفنان بعمله، والحقيقة ان هذا المشروع أى (مسرح مدينة سنبل) بقدر أهميته فأنه عبر عن احتياجه لدعم آخر مهم من الدولة، وهو دعم وسائل المواصلات للجمهور الذى يرغب فى رؤية أعمال فنانه الكبير، ولكن المسافة الكبيرة تقف حائلا لدى كثيرين منه (تقع مدينة سنبل والمسرح فى بداية الطريق الصحراوى بعد القاهرة) ومن المؤكد ان مشروع محمد صبحى لن يكتمل إلا بوجود مسرح لجمهور يدرك أهمية وقيمة ما يقدمه هذا الفنان الكبير، وكان من المفترض ان يكون المسرح متاحا وسط مدينة القاهرة الكبيرة، ومع ذلك فإن بناء مسرح جديد هو مغامرة مهمة من مغامرات محمد صبحى العديدة، وهو أيضا جزء من إيمانه بمفهوم العدالة الثقافية التى تعنى الوصول لكل الناس وليس بعضها فقط، وهو إيمان حققه أيضا من خلال التليفزيون حين استطاع تقديم برنامج مسرحى أسبوعي.
أعزائى المشاهدين ..
مفيش مشكلة خالص
لانه رائد ومحب لعمله، ومؤمن بأهمية وقيمة المسرح، فقد استطاع محمد صبحى ان يقدم برنامجا مسرحيا وليس حواريا كما هى العادة حين يقدم الفنان برنامجا، وهو برنامج (أعزائى المشاهدين، مفيش مشكلة خالص) والذى قدمه عام 2015 على قناة (سي.بي.سي) فى شكل مسرحي. كوميدى ساخر وقدم فيه قصصا وفقرات من النقد الاجتماعى لكل القضايا الشائعة من خلال الشكل والأسلوب الذى عرف به ولمدة ساعة كل أسبوع، وتوقف البرنامج بعد موسمين برغم نجاحه الكبير وقدرته على اجتذاب المشاهد واستفزازه فكريا وفنيا ليتفاعل مع قضيته، وبعدها توقف صبحى عن التعامل مع التليفزيون الذى كان وسيلته للتواصل مع جمهور عريض احبه واقبل على أعماله بشوق كبير كممثل، وربما لم يعرف الكثيرون من هذا الجمهور أنه أيضا كاتب ألف 18 عملا مسرحيا ودراميا، وأخرج 28 عملا مسرحيا، أما التمثيل فعدد ما قدمه من أعمال كممثل هو 81 عملا وفقا لتقارير المواقع المهمة، وأن واحداً من هذه الأعمال وهو المسلسل التليفزيونى (فارس بلا جواد) آثار ضجة كبيرة لمحتواه الذى يتحدث عن دور الاحتلال الإنجليزى لمصر فى زمن دعم الهجوم على فلسطين وأحداث النكبة عام 1948 من خلال قصة بطل العمل الذى كتبه محمد صبحى وأخرجه احمد بدر الدين وشارك فيه عدد من أهم الممثلين مثل جميل راتب وأشرف عبدالغفور وسيمون وهناء الشوربجى ومحمد ابو داوود ووفاء عامر وصفاء الطوخى وشعبان حسين وغيرهم وقد عرض عام 2002 ليقدم رسالة جديدة من فنان مثقف ومبدع على زمنه ولجمهوره.
لان صبحى قيمة فنية كبيرة ، فقد جاء التوجية الرئاسى من الرئيس عبدالفتاح السيسى لوزير الصحة بتقديم كل سبل الرعاية له فى ظروفة الصحية التى ألمت به، قرار رئاسى ينم عن أهتمام كبير بالفن وأهل الفن وفى القلب منهم الكبير محمد صبحى









